للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوفي رحمه الله تعالى في ليلة السبت ثامن عشر شوال سنة أربع وثلاثين وسبع مئة.

وكان الصاحب شمس الدين سعيد الحركات خفيفاً ظريفاً، حلو النادرة مليح التنديب، كان في متعممي دمشق شخص يعرف بالقاق يندب الناس عليه، ويمزحون معه بذلك ويظهر هو التأذي بعض الأوقات، فاتفق أنه سرق مرة جملة من الخشب من شيء كان يباشره، وذكر أمره للصاحب شمس الدين، فبقيت، فلما كان في بعض الأيام جاءه فقال له: يا مشؤوم، الناس يقولون عنك قاق، طلعت أنت نقار الخشب.

وكان فيه ستر وحلم، لم يقع لأحد من أكابر دمشق واقعة إلا وسد خرقها وتدارك رمقها وتلافى عطبها على أحسن الوجوه ولم يكشف لأحد رأساً ولا ضرب أحداً بالمقارع، ولا صادر أحداً ولا عزل أحداً. وكان كلما انتشأ أحد من الأمراء خواص السلطان خدمه وباشر أموره بالشام وثمر له وأهدى، وكان أولئك يعضدونه ويقيمونه، وإذا جاء أحد من مماليكهم أو من جهتهم أنزله عنده وأزاح أعذاره وخدمه، وكان مرجع دواوينهم إليه وأموالهم تحت يده يتجر لهم فيها ويتكسب مثل بكتمر الساقي وقوصون وبشتاك وغيرهم، كل من له علاقة بالشام ولا يخرج الحديث عنه، وكان هو والقاضي كريم الدين الكبير متعاضدين جداً، ودامت أيامهما مدة.

وطلبه السلطان مرات إلى مصر، فراح على البريد وعاد بزيادة إكرام وإنعام وزيادة معلوم، ولما كان في سنة أربع وعشرين وسبع مئة طلبه السلطان إلى مصر وخلع عليه وباشر نظر الدولة مع الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي الوزير وذلك في شهر رمضان، فأقام بالديار المصرية على كره منه لأنه ألف دمشق واعتدال مزاجها،

<<  <  ج: ص:  >  >>