لما تغيّب في التّراب جمالهم ... وقعدوا لهولٍ عاينوه وقاموا
يا قبره لا تنتظر سقيا الحيا ... حزني ودمعي بارقٌ وغمام
لي فيك خلّ كم قطعت بقربه ... أيام أُنسٍ والخطوب نيام
لذّت فلذت بظلّها فكأنها ... لقياد لذّات الزمان زمام
أسفي على صحب مضى عمري بهم ... وصفت بقربهم لي الأيّام
ثم انقضت تلك السنون وأهلها ... فكأنها وكأنهم أحلام
بالرغم منّي أُفارق صاحباً ... لي بعده ضرٌّ ثوى وضرام
يا من تقدّمني وسار لغايةٍ ... لا بدّ لي منها وذاك لزام
قد كنت أحسبه يرثّيني فقد ... عكست قضيّته معي الأحكام
أنا ما أراك على الصراط لأنّه ... بيني وبينك في المعاد زحام
إذ قد سبقت خفيف ظهرٍ لا كمن ... قد قيّدت خطواته الآثام
فإذا المخفّ وقد تقدّم سابقاً ... وشفيعه لإلهه الإسلام
فاذهب فأنت وديعة الرحمن لي ... يلقاك منه البرّ والإكرام
ويجود قبرك منه غيث سماحةٍ ... بالعفو صيّب ودقها سجّام
ولقد قضيتك حقّ ودّك بالرثا ... والحرّ من يرعى لديه ذمام
خلّفتني رهن التندّم والأسى ... تعتادني الأحزان والآلام
لكنّ لي بأخيك نجم الدين في ... الديوان أُنساً ما عداه مرام
مهما توجّس أو توحش خاطري ... فيه تزول وتنقضي الأوهام
وكتب إلي من دمشق وأنا بالقاهرة:
ذكّرت قلبي حين شطّ مزارهم ... بهم فناب عن الجوى تذكارهم