وتخطر البلاغة في أفواف كلمه، وتنزل المعاني المتمنعة من معاقل القرائح على حكمه، وتقف جياد البدائة حسرى دون الوسط في حلبة علمه، إن وشي الطرس فرياض، وإن أجرى النقس فحياض، أو نظم فقلائد، أو نثر ففرائد، لا يتجاسر المعنى المطروق أن يلم بفكره، ولا يقدم التخيل المسبوق على المرور بذكره، ولا يجوز زيف الكلام على ذهنه المنتقد، ولا يثبت عناء النظام لدى خاطره المتقد، فسمعت منه مقامات في العرفان قد وشى الأدب حبرها، وحقق الطلب خبرها، وزان الصدق لهجتها، وزاد الحق بهجتها، وحلتها البلاغة برقومها، وكللتها الفصاحة بشهبها ونجومها، تشرق القلوب بأضوائها، وترتوي النفوس بأنوائها، وتستضيء البصائر بأقمارها، وتغتذي السرائر بما تجتني في رياض اليقين من يانع ثمارها، ووقفت له على طرائق في التوحيد، أوضحها علمه لسالكها، وهدى فكره الطائف بكعتبها إلى لطائف مشاعرها ومناسكها، فمن أراد الصفا في سلوكه سعى من مروة الإخلاص إليها، ومن تعرض لنفحات الفتح الذي اقتصر في طرق تعبده عليها، مع بروزها في ألفاظ أرق مساغاً من الماء القراح، وأدق مسلكاً في الجسوم من الأرواح، وأجلى لليل الشك البهيم من صباحة محيا الصباح، إلى غير ذلك من أحاديث تكلم على بلاغتها وبلاغها، وأبان ما جهلته الأفهام الظامئة من أسباب مساغها، مما لم يبلغ بذلك إلا إرشاد الطالب، وتنبيه المفتقر إليها على ما أودع في أثنائها من الكنوز، وادخر في أرجائها من المطالب.
ولما وقفت على تلك البدائع، وفهمت ما تضمنته من النكت الروائع، وعلم مني