وكان قد سمع في الكهولة من ابن عبد الدائم، وأجاز له ابن مسلمة وغيره.
وتنقل إلى أن صار صاحب ديوان الإنشاء بمصر مدة طويلة، وما كتب قدام أحد إلا وعظمة واحترامه، مثل حسام الدين لاجين، والملك الأشرف، والملك الناصر محمد بن قلاوون. والأمير سيف الدين تنكز كان يذكره كل قليل، ويجعل أفعاله قواعد يمشي الناس عليها.
أخبرني القاضي شهاب الدين بن القيسراني. قال: كنت يوماً أقرأ البريد على الأمير سيف الدين تنكز، فتحرك على دائر المكان طائر، فالتفت إليه يسيراً ورجع إلي، وقال: كنت يوماً بالمروج، وشرف الدين بن فضل الله يقرأ علي بريداً جاء من السلطان، والصبيان قد رموا جلمة على عصفور، فاشتغلت بالنظر إليها، فبطل القراءة وقال: يا خوند، إذا قرأت عليك كتاب السلطان اجعل بالك كله مني، ويكون كلك عندي، ولا تشتغل بغيري أبداً، وافهمه لفظة لفظة، أو كما قال.
وما رأى أحد ما رآه هو من تعظيم الناس له، رآه الملك الأشرف مرة، وقد قام ومشى، وتلقى أميراً، فلما حضر عنده قال: رأيتك وقد قمت من مكانك وخطوت خطوات! فقال: يا خوند، كان الأمير سيف الدين بيدار النائب قد جاء وسلم علي. فقال: لا تعد تقوم لأحد أبداً. أنت تكون عندي قاعداً وذاك واقف.
ولما توفي القاضي فتح الدين محمد بن عبد الظاهر بمصر، وقام بعده عماد الدين بن الأثير مدة يسرة طلب السلطان الملك الأشرف القاضي شرف الدين من دمشق، ورتبه بعد عماد الدين بن الأثير في صحابة ديوان الإنشاء بالديار المصرية،