للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقام بها إلى أن جاء السلطان الملك الناصر من الكرك في سنة تسع وسبع مئة. وكان قد وعد بالوظيفة للقاضي علاء الدين بن الأثير، فأخرج القاضي شرف الدين إلى صحابة ديوان الإنشاء بدمشق عوضاً عن أخيه محيي الدين، فوصل إلى دمشق يوم السبت تاسع عشر شهر الله المحرم سنة اثنتي عشرة وسبع مئة، ولم يزل بها إلى أن توفي في التاريخ المذكور، وهو ينفذ بريداً إلى بعض النواحي.

ومتعه الله بجوارحه، لم يتغير سمعه ولا بصره، ولا تغيرت كتابته، وخلف نعمة طائلة من الأموال.

ولما مات بدمشق حضر شيخنا العلامة شهاب الدين أبو الثناء محمود مكانه في صحابه ديوان الإنشاء بدمشق، ورثاه بقصيدة طنانة، وهي:

لتبك المعالي والنهى الشرف الأعلى ... وتبك الورى الإحسان والحلم والفضلا

وتنتحب الدنيا لمن لم تجد له ... وإن جهدت في حسن أوصافه مثلاً

ومن أتعب الناس اتباع طريقه ... فكفوا وأعيتهم طريقته المثلى

لقد أثكل الأيام حتى تجهمت ... وإن كانت الأيام لا تعرف الثكلا

وفارق منه الدست صدراً معظماً ... رحيباً يرد الحزن تدبيره سهلا

فكم حاط بالرأي الممالك فاكتفت ... به أن تعد الخيل للصون والرجلا

وكم جردت أيدي العدى نصل كيدهم ... فرد إلى أعناقهم ذلك النصلا

وكم جل خطب لا يحل انعقاده ... فأعمل فيه صائب الرأي فانحلا

وكم جاء أمر لا يطاق هجومه ... فلما تولى أمر تدبيره ولى

وكم كف محذوراً وكم فك عانياً ... وكم رد مكروهاً وكم قد جلا جلى

<<  <  ج: ص:  >  >>