يدي السلطان ويحمل الدواة بيمينه، فسقطت من يده فتألم له السلطان، وقال للأمير سيف الدين ألجاي الدوادار: اكتب إلى نائب الشام ليجهز لنا القاضي محيي الدين بن فضل الله، وسر السلطان يقول له: يا علاء الدين، أنزل واضرب لك خاماً في جزيرة الروضة، وعالج هذا الحادث، وأنا أجهز لك الأطباء، فلم يفعل، وبقي في الديوان مريضاً إلى أن جاء الخبر بوصول القاضي محيي الدين بن فضل الله إلى قطيا، فقال لألجاي: مخر ابن الأثير بالنزول إلى بيته. فجهز يقول له: قد جاء صاحب الديوان ووصل، وغداً يكون هنا، فباسم الله أنزل استريح في بيتك.
سبحان الله العظيم، هم أولا به عزلوا، وهو ثانياً بهم عزل.
فذي الدار أخدع من مومس ... وأمكر من كفة الحابل
وكان نزول ابن الأثير إلى بيته في أوائل المحرم سنة تسع وعشرين وسبع مئة، وأقام في بيته، وتزايد به المرض، وجهز السلطان أحضر أمين الدين سليمان رئيس الأطباء بدمشق، وقال له لما وصل: أنزل إلى القاضي علاء الدين بن الأثير، وعالجه ووعده، فنزل إليه وعالجه فما أفاد وآل أمره إلا أنه لم يبق فيه شيء يتحرك غير جفونه فكان إذا أراد شيئاً علا صارخاً بصوته، فيحضرون إليه، ويدقون على الأرض دقات متوالية، وهو يعد الحروف من أول المعجم، فإذا وصلوا إلى أول حرف من مقصوده أطرق وأغمض جفنه، فيحفظون ذلك الحرف، ثم يفعلون ذلك، فإذا وصلوا إلى الحرف الثاني من مقصوده أغمض جفنه. ولا يزالون كذلك حتى يفهموا عنه قصده. وكان الزمان يطول عليهم وعليه حتى يفهموا عنه لفظة أو لفظتين. نسأل الله تعالى العفو والعافية من آفات هذه الدار.