فآثر الانقطاع والعزلة، فآوى إلى الجباية بباب الميدان ظاهر الموصل، ولا ماء لها هناك إلا من الآبار المحفورة، طول البير خمسون ذراعاً وستون ذراعاً وأكثر وأقل فكان الشيخ زين الدين يتوجه في كل يوم إلى الشط، ويملأ إبريقين، ويحملهما، ويجيء بهما لأجل شربه ووضوئه. فمكث على ذلك مدة، وهو يقاسي مشقة لبعد المسافة، فلما كان في ليلة، رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول له: احفر لي عندك حفيرة، يظهر لك الماء، فلما انتبه استبعد ذلك، لأن الآبار هناك بعيدة الغور، ولبث مدة، فرأى تلك الرؤيا، فاستبعد ذلك، وقال: لو حفرت بعكاز طلع لك الماء. فقص ذلك على بعض أصحابه، وحفر في ذلك المكان تقدير ثلاثة أذرع أو أكثر، فأجرى الله تعالى هناك عيناً، وهي مشهورة هناك، فمن ثم قيل له شيخ العوينة، وكان من الصلحاء الكبار. انتهى.
ولما بلغتني وفاة الشيخ زين الدين المذكور، قلت أنا في رثائه:
الشيخ لما توفي ... وقدر الله حينه
سالت دموعي عيوناً ... على ابن شيخ العوينة
وأنشدني الشيخ زين الدين رحمه الله من لفظه لنفسه. ما كتب به إلى الشيخ شمس الدين الحيالي: