للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من مددنا بالجزيرة جيش شريت شرارته، وقويت في الحرب إدارته، يبلون البلاء الأصدق، ولا يبالون بالعدو وهو منه كالشامة البيضاء في البعير الأورق، إلا أن المطاولة بحصرها في البحر مدة ثلاثة أعوام ونصف، ومنازلتها في البر نحو عامين معقوداً عليها الصف بالصف، أدى إلى فناء الأقوات بالبلد حتى لم يبق لأهله قوت نصف شهر مع انقطاع المدد، وبه من الخلق ما يربي على عشرة آلاف دون الحرم والولد.

فكتب إلينا سلطان الأندلس يرغب في الإذن له في عقد الصلح، ووقع الاتفاق على أنه لاستخلاص المسلمين من وجوه النجح.

فأذنا فيه الإذن العام، إذ في إصراخه وإصراخ من في طره من المسلمين توخينا ذل المرام، هنالك دعا النصارى إلى السلم فاستجابوا لداعيه، وقد كانوا علموا فناء القوت، وما استرابوا الصلح إلى عشر سنين، وخرج من بها من فرسان ورجال وأهل وبنين، ولم يرزؤوا مالاً ولا عدة، ولا لقوا في خروجهم غير النزوع عن أول أرض مس الجلدة ترابها شدة، ووصلوا إلينا فأجزلنا لهم العطاء، وأسليناهم عما جرى بالحباء، فمن خيل تزيد على الألف عتاقها، وخلع تربي على عشرة آلاف أطواقها، وأموال عمت الغني والفقير، ورعاية شملت الجميع بالعيش النضير، وكفى بالله ضر الطواغيت عما عداها، وما انقلبوا بغير مدرة عفا رسمها وصم صداها.

وقد كان من لطف الله حين قضى بأخذ هذا الثغر أن قدم لنا فتح جبل طارق من أيدي الكفر، وهو المطل على هذه المدرة، والفرصة منه فيها إن شاء الله ميسرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>