حين يفترق عقد الكفار، ويفرد بهذه الجهة منه مجاوروا هذه الدار فلولا إجلابهم من كل جانب، وكونهم سدوا مسلك العبور بما لجميعهم من الأجفان والمراكب، لما بالينا بأضعافهم، ولحللنا بعون الله عقد اتفاقهم. ولكن للموانع أحكام، ولا راد لما جرت به الأقلام، وقد أمرنا لذلك الثغر بمزيد المدد، وتخيرنا له ولسائر تلك البلاد من العَدد والعُدد، وعدنا لحضرتنا فاس لتستريح الجيوش من وعثاء السفر، وتربط الجياد تنتخب العُدد لوقت الظهور المنتظر، وتكون على أهبة الجهاد وعلى مرقب الفرصة عند تمكنها في الأعاد، وعند عودنا من تلك المحاولة نسير الركب الحجاز موجهاً إلى هنالكم رواحله، فأصدرنا إليكم هذا الخطاب إصدار الود الخالص والحب اللباب، وعندنا لكم ما عند أحنى الآباء، واعتقادنا فيكم في ذات الله لا يخشى جديده من البلاء، وما لكم من غرض بهذه الأنحاء، فموفى قصده على أكمل الأهواء موالي تتميمه على أجمل الآراء، والبلاد باتحاد الود متحده، والقلوب والأيدي على ما فيه من مرضاة الله تعالى معتضده، جعل الله ذلكم خالصاً لرب العباد، مذخوراً ليوم التناد، مسطوراً في الأعمال الصالحة يوم المعاد بمنه وفضله، وهو سبحانه يصل إليكم سعداً تتفاخر به سعود الكواكب، وتتضفر على الانقياد له صدور المواكب، وتتقاصر عن نيل مجده متطاولات المناكب، والسلام الأتم يخصكم كثيراً أثيراً، ورحمه الله وبركاته.
وكتب في يوم الخميس السادس والعشرين لشهر صفر المبارك من عام خمسة وأربعين وسبع مئة، صورة خط أبي الحسن المريني صاحب فارس.