وأما عودكم إلى فاس المحروسة طلباً لإراحة ما عندكم من الجنود، وتجهيزاً لمن يصل من عندكم إلى الحجاز الشريف من الوفود، فهذا أمر ضروري التدبير، سروري التثمير، لأن النفوس تمل وثير الجهاد فكيف ملازمة صهوات الجياد، وتسأم من مجالسة الشرب فكيف بممارسة الحرب، وتعرض عن دوام اللذة، فكيف بمباشرة المنايا المغدة، وهذا جبل طارق الذي فتح الله به عليكم، وساق هدى هديته إليكم، لعله يكون سبباً إلى ارتجاع ما شرد، وحسماً لهذا الطاغية الذي مرد، ورداً لهذا النازل الذي قدم ورد الصبر لما ورد، فعادة الألطاف الإلهية بكم معروفة، وعزماتكم إلى جهات الجهاد مصروفة، وقد تفاءلنا لكم من هذا الجبل بأنه طارق خير من الرحمن يطرق. وجيل يعصم من سهم يمر من قسي الكفار ويمرق.
وأما ما منحتموه من الخيل العتاق والملابس التي تطلع بدور الوجوه من مشارق الأطواق، والأموال التي زكت عند الله تعالى ونمت على الإنفاق، فعلى الله عز وجل خلفها، ولكم في منازل الدنيا والأخرى شرفها وشرفها، وإليكم تساق هدايا أثنيتها وتحفكم تحفها، وإذا وصل وفدكم الحاج، وأنار له بوجه إقبالنا عليهم ليلهم الداج، كانوا مقيمين تحت ظل إكرامنا، وشمول إسعافنا لهم وإنعامنا، يتخولون تحفاً أنتم سببها، ويتناولون طرفاً في كؤوس الاعتناء بهم تنضد حببها، وإذا كان أوان الرحيل إلى الحج فسحنا لهم الطريق، وسهلنا لهم الرفيق، وبلغناهم بحول الله مناهم من منى، وسؤلهم ممن إذا زاروا حجرته الشريفة حازوا الراحة من العنا، وفازوا بالغنى، وإذا عادوا عاملناهم بكل جميل ينسيهم مشقة ذلك الدرب، ويخيل إليهم أن لا مسافة لمسافر بين الشرق والغرب، وغمرناهم بالإحسان في العود إليكم، وأمرناهم بما ينهون شفاهاً لديكم، وعناية الله تعالى تحوط ذاتكم، وتوفر لأخذ الثأر حماتكم، وتخصكم بتأييد تنزلون روضة الأنضر، وتجنون به ثمر النصر اليانع من ورق الجديد الأخضر،