فنطق الرمح بلسان سنانه مفتخراً، وأقبل في علمه معتجراً، وقال: أنا الذي طلت حتى اتخذت أسنتي الشهب، وعلوت حتى كادت السماء تعقد علي لواء من السحب. كم ميل نسم النصر غصني وميد، وكم وهى بي ركن للملحدين، وللموحدين تشيد. وكم شمس ظفر طلعت وكانت أسنتي شعاعها. وكم دماء أطرت شعاعها. طالما أثمر غصني الرؤوس في رياض الجهاد، وغدت أسنتي فكأنما صيغت من سرور فما يخطرن إلا في فؤاد، وكم شبهت أعطاف الحسان بمالي بمن ميل، وضرب طبول ظل قناتي المثل، وزاحمت في المناكب للرياح بالمناكب، وحسبي الشرف الأسنى أن أعلى الممالك ما علي يبنى، ما لمع سناني في الظلماء إلا خاله المارد من رجوم السماء، فهل للسيف فخر يطال فخري، أو قدر يسامي قدري، ولو وقف السيف عند حده لعلم أنه القصير وإن كان ذا الحلى، وأنا الطويل ذو العلا، وطالما صدع هاماً، فعاد كهاما، وقصر عن العدى، وألم بصفحته كلف الصدا، وفل حده، وأذابه الرعب فلولا غمده.. فهل يطعن في بعيب، وأنا الذي أطعن حقيقة بلا ريب، ومن ههنا آن أن أمسك عنك لسان سناني، ونرجع إلى من يحم برفعه شانك وشأني، ونسعى إلى بابه، ونبث محاورتنا برحابه.
وقد أوردهما المملوك حماك، فاحكم بما بصرك الله وأراك.