وأما الملل والنحل، ومقالات أرباب البدع الأُول، ومعرفةُ أرباب المذاهب، وما خصوا به من الفتوحات والمواهب، فكان بحراً يتموج، وسهماً ينفذ على السواء لا يتعوج.
وأما المذاهب الأربعة فإليه في ذاك الإشارة، وعلى ما ينقله الإحاطة والإدارة. وأما نقل مذاهب السَّلف، وما حدث بعدهم من الخلف، فذاك فنُّه، وهو في وقت الحرب مجنُّه، قل أن قطعة خصُمه الذي تصدى له وانتصب، أو خلص منه مناظرهُ إلا وهو يشكو من الأين والنَّصب.
وأما التفسير فيدُه فيه طولى، وسردُه فيه يجعل العيون إليه حُولاً. إلا أنه انفرد بمسائل غريبة، ورجَّح فيها أقوالاً ضعيفة عند الجمهورُ معيبة. كاد منها يقع في هُوَّة، ويسلم منها لما عنده من النيّة المرجوة، والله يعلم قصده، وما يترجّح من الأدلة عند وما دمر عليه شيء كمسألة الزيارة، ولا شنّ عليه مثلها إغارة، دخل منها إلى القلعة مُعتقلا، وجفاه صاحبه وقلا، وما خرج منها إلا على الآلة الحدبا، ولا درج منها إلا إلى البقعة الحدبا، والتحق باللطيف الخبير، وولّى والثناء عليه كنشر العبير.
وكان ذا قلم يسابقُ البرق إذا لمع، والودق إذا همع، يُملي على المسألة الواحدة ما شاء من رأس القلم، ويكتب الكرَّاسين والثلاثة في قعدة، وجدُّ ذهنه ما كل ولا انثلم، قد تحلى بالمُحلى، وتولّى من تقليده ما تولى، فلو شاء أورده عن ظهر قلب وأتى بجملة ما فيه من الشناع والثَّلب.