الدقائق، وأصدرها في الروح والروع يرجى الحيا منها وتخشى الصواعق، وأودعها نفائس إنشائه فأثنى عليها أئمة البلاغة، ولو سكتوا أثنت حقائب الحقائق. طالما كتب بالأبواب الشريفة تقليداً، وجهز في المهمات كتباً ملأت البحر حرباً والبر بريداً، ووشى أمثلة صدرت عنها فطارت في الآفاق، ولكن أوثقتها الأفهام تقييداً، وعاد الآن إلى الشام فنفس عنه خناق الوحشة بقربه، وتلقها بالرحب علماً بأنه يغني عن الكتائب بكتبه، وأحله في رتبة يشرفها الولي بسلمه ويسوء العدو بحربه، شوقاً إلى أنس ألفه من لطفه، وعرفه من عرفه في نفح عرفه، فطاب به الواديان كلاهما، وتنافسا في أخذ حظيهما من قربه، فما تساهلا تساهماً، فهو من القوم الذين تسقى البلاد بهم وتسعد، وإذا قربوا من مكان تخطاهم السوء للأبعد، وإذا قاموا بمهم كانوا فيه أقعد، وإذا باشروا المعالي كانوا أسعد الناس وأصعد، وإذا كتبوا كبتوا العدا، لأن كلامهم لمع فأبرق وطرسهم قعقع فأرعد.
فليباشر ذلك على ما عهد من أدواته الكاملة، وكلماته التي تركت محاسن البرايا بائرة وأزاهر الخمائل خاملة. والوصايا التي تملا كثيرة، وكم شرع لها قرطاسه وشرعها بأقلامه، ونضد عقودها بإحكام أحكامه، وملأ بجيوشها صدور مهامه. فما يلقى إلى بحره منها دره، ولا يذكر لطود فضله منها ذره، ولا يطلع