وغادر الباطلَ في ظُلمَةٍ ... لمّا رأى بارقَةٌ أومضا
وهو عن الدنيا زوى نفسَه ... والله بالجنَّةِ قد عوّضا
فماله في منصبٍ رغبَةٌ ... وعزمُه في ذاك ما استنهضا
كان إذا الدّنيا له عرضت ... بزُخرفِ من نفسها أعرضا
ولو رأى ذلك ما فاته ... مناصبُ من بَعضهنَّ القضا
وبعد هذا حكُمه نافذذٌ ... في كلِّ ما قد شاءه وارتضى
بنفسه جاهدَ جهراً وكم ... سَلَّ حّساماً في الوغى وانتضى
ويوم غازان غدا عندما ... شدّدَ في القولِ ومت خفَّضا
شقَّ سواد المُغلِ زاهي الطُلا ... كالماء لما مَزقَ العَرمَضا
جاذل بل جالد مُستمسِكا ... بالحق حتى إنّه أجهَضا
ولم يكن فيه سوى أنه ... خالف أشياءَ كمن قد مضى
متبعاً فيه الدّليل الذي ... بدا ولله فيه القضا
وبعد ذا راحَ إلى ربه ... ما ادّان مِن لهوٍ ولا استقرضا
ثناؤه ما انقضَّ منه البنا ... وذِكرُه بين الورى ما انقضى
فجادَت الرَّحمةُ أرضاً ثوى ... فيها وسقَّتْها غُيوثُ الرِضى
وعلى الجملة، فكان الشيخ تقي الدين بن تيمية أحد الثلاثة الذين عاصرتهم، ولم يكن في الزمان مثلهم، بل ولا قبلهم من مئة سنة، وهم الشيخ تقيُّ الدين بن تيمية، والشيخ تقيُّ الدين بنُ دقيق العيد، وشيخنا العلاّمة تقيُّ السبكي. وقلت في ذلك: