وكانت نيابة حلب قد خلت، وقد بعث السلطان مع أرغون تقليداً وفيه اسم النائب خالياً، وقال له: تصرف في هذه النيابة، وعينها لمن تختاره، فهي لك إن اشتهيت تأخذها، وإن أردتها لغيرك فهي له. وكان في تلك المدة كلها يبعث قراسنقر إلى السلطان ويقول: يا خوند، أنا قد ثقل جناحي، في حلب بكثرة علائقي بها وعلائقي مماليكي، ولو تصدق السلطان بها علي رحت إليها.
فلما كان من بيبرس العلائي ما كان قال لأرغون: أنا قد استخرت الله - تعالى -، وأنا رائح إلى حلب، ثم قام وركب ملبساً تحت الثياب من وقته، وركب مماليكه معه، وخرج في يوم الأحد ثالث المحرم سنة إحدى عشرة وسبع مئة إلى حلب، وأرغون معه إلى جانبه وما يفارقه، والمماليك حولهما لا يمكنون الأمراء من الدخول إليه ولا التسليم عليه، وخرج - كما يقال - على حمية إلى حلب في يوم الأحد ثالث المحرم سنة إحدى عشرة وسبع مئة، وأقام بحلب وهو على خوف شديد. ثم إنه طلب دستوراً للحج.
فلما كان بزيزاء أتته رسل السلطان تأمره بأن يأتي الكرك ليأخذ منها ما أعده السلطان له هناك من الإقامات، فزاد تخيله، وكثر تردد الرسل عليه في هذا، فعظم توهمه، وركب لوقته وقال: أنا ما بقيت أحج، ورمى هو وجماعته ما لا يحصى من الزاد، وأخذ مشرقاً يقطع عرض السماوة حتى أتى مهنا بن عيسى ونزل عليه واستجار به. وأتى حلب فوقف بظاهرها حتى أخرجت مماليكه ما كان لهم في حلب، مما أمكنهم حمله بعدما مانعه الأمير شهاب الدين قرطاي من ذلك، فإنه ركب في الجيش، ولكنه لم يقدر على مدافعة مهنا.
ولم يزل يكاتب الأفرم والزردكاش، ومهنا يستعطف لهم خاطر السلطان على أن