إلى متى هذا؟ بالله اقتلني حتى أستريح، والله زاد الأمر وطال، وأنا فقد التجأت إليكم، ورميت نفسي عليكم واستجرت بكم، والعصفور يستند إلى غصن شوك يقيه الحر والبرد. فانزعج بوسعيد لهذا الكلام، وقال لي بغيظ: إلى متى هذا وأنت عندنا والفداوية تخبؤهم عندك لهذا؟ فقلت: وحياة رأس القان ما كان عندي، وإنما حضر أمس مع فلان، لكن هذا أخوك السلطان الملك الناصر قد قال غير مرة: إن هذا مملوكي ومملوك أخي ومملوك أبي، وقد قتل أخي، وما أرجع عن ثأر أخي ولو أنفقت خزائن مصر على قتل هذا وهذا دخل إليكم قبل الصلح بيننا، وهو مستثنى من الصلح، فعند ذلك قال جوبان: هذا حقه، نحن ما ندخل بينه وبين مملوكه قاتل أخيه؛ وخرج فانفصلت القضية.
وحكى لي علاء الدين بن العديل القاصد قال: توجهنا مرة ومعنا أربعة من الفداوية لقراسنقر، فلما قاربنا مراغة وبقي بيننا وبينها يوم أو يومان ونحن في قفل تجار والفداوية مستورون أحدهم جمال والآخر عكام والآخر مشاعلي والآخر رفيق، فما نشعر إلا والألجية قد وردوا علينا، فتقدموا إلى أولئك الأربعة وأمسكوهم واحداً واحداً من غير أن يتعرضوا إلى أحد غيرهم من القفل، وتوجهوا بهم إلى قراسنقر فقتلهم، وكذلك فعل بغيرهم.
قلت: والظاهر أنه كانت له عيون تطالعه بالأخبار، وتعرفه المستجدات من دمشق ومن مصر، فإنه كان في هذه البلاد نائباً، وقد جهز جماعة من الفداوية، ويعرف قواعد هذه البلاد وما هي عليه، وما كان يغفل عن أمر الفداوية، وإ، هـ ما كان يؤتى عليه إلا منهم.