الحال يكتمها علي ويدع منصبي علي إلى أن أعالج نفسي، فقبل السلطان ذلك، وترك منصبه عليه مدة ستة أشهر إلى أن قدح عينيه وأبصر وطلع القلعة ونزل، أو كما قال.
واستمر على حاله إلى أن توفي - رحمه الله تعالى - في طاعون مصر سنة تسع وأربعين وسبع مئة.
وكان السلطان يعظمه ويرجع إلى أقواله في أشياء، ولما عزل القضاة بمصر عزل قاضي القضاة جلال الدين القزويني وقاضي القضاة برهان الدين بن عبد الحق الحنفي، وعزل قاضي القضاة تقي الدين الحنبلي، وأما قاضي القضاة تقي الدين بن الأخنائي فلم يغير عليه شيئاً من حاله، وكان السلطان الملك الناصر محمد قد قال في وقت يوم دار عدل للقضاة: أريد تبصرون لي رجلاً فاضلاً شافعياً يعرف عربية، ويكون ساكناً، لا يدخل في شيء غير التعليم، فأجمعوا كلهم على الشيخ برهان الدين الرشيدي خطيب جامع أمير حسين، وانفصل الحال على ذلك ولم يجر شيء غير ما جرى، ولا طلب الشيخ برهان الدين، وسكن الحال حتى نقب قاضي القضاة جلال الدين القزويني عن السبب، فوجد أن القاضي تقي الدين الأخنائي قال للسلطان: مالك به حاجة، فإنه من أصحاب ابن تيمية، فسكت السلطان ولم يجر بعد ذلك شيء. وكان في نفس قاضي القضاة تقي الدين منه من أيام واقعة شهاب الدين بن مري لما كان يتكلم عنده في الجامع، وجرى ما ذكرته في ترجمة شهاب الدين بن مري.