كان خطيباً مصقعا، وأديباً ترك ربع البلاغة بعده بلقعا، كم أسال الدموع وفضها على الخدود من الخشوع، وكم علا ذروة المنبر واستقبل الناس فقالوا: هذا بدر قد بدا في سماء من العنبر. ليس للحمائم مثل أسجاعه إذا غردت، ولا للفصحاء مثل عبارته التي جمعت أنواع البيان فتفردت.
وكان ممن ينظم وينثر، ويجري قلمه في ميدان البلاغة ولا يعثر، يأتي فكره بقصائد كأنها قلائد، ونثره برسائل كلها فرائد:
لا تطلبن كلامه متشبهاً ... فالدر ممتنع على طلابه
كلم كنظم العقد يحسن تحته ... معناه حسن الماء تحت حبابه
خطب في حياة والده، وهو خالي الوجنة من النبات، وحير العقول بماله من الإقدام والثبات، وكان وهو أمرد يفتن القلوب بنظره، ويقسم الأفق أنه أحسن من قمره.
ومات والده وهو عار من حلي الآداب سار في ميعة الصبا والشباب، فلما مات والده - رحمه الله تعالى اجتهد ودأب، وتمسك بعرا الفضل والأدب، فنظم ونثر وكتب.
ولم يزل على حاله إلى أن خاطبه الخطب فجاءه، ولم يدفع الطبيب داءه.
وتوفي رحمه الله تعالى - يوم الاثنين رابع جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وسبع مئة.