يقبل الأرض التي ابتهلت أول أمرها بعلو قدرها، وابتهجت في سرها بمقدم كاتب سرها، فلله درها دولة اقتضت آراؤها الشريفة لمملكتها الحلبية بمن صانها وزانها، وارتضت آلاؤها المنيفة من أصلح شانها الذي شانها، فجانست أوامرها العالية بين مقام أعلم خليل، وبين مقام أكرم خليل، وآنسته رشدا بتقدم فاضل زمانه، وإن كان اللائق بالتقديم والتفضيل، فأقرت عيناً بآيات الفضائل السجية الصلاحية، وأقرت وألقت في ساحتها من ساعتها عصاها واستقرت، ومدت وارف ظلها عليها الرياسة والسيادة فما ساءت حين سرت. وينهي أن المملوك ممن سرته هذه البشرى التي ردت شوارد الأدب بعد مفرها إلى مقرها، وأسبغت ظلالها على سر الصناعتين بعد هجير هجرها، فلقد دلت على الهدى، وجلت صدأ الصدا بأنوارها وأنوائها، وجلت في حلبة المعالي على أبلقها وشقرائها بشهبائها، فلله الحمد على منة لا ترد إلا منه، وله الشكر على نعمة لا تصد إلا عنه.
زنتم رغم الحسود محلها ... كنتم أحق بها وكنتم أهلها
والقصد أن مولانا يعفي خطأها وخطلها، ويسامح بحلمه جهلها، ويسبل عليها ستر معروفه لأنه مالك الحل والعقد، وإليه مرجع النقل والنقد، لا زال جابراً بقبوله وإقباله، ساتراً بخلاله الكريمة ما خفي عن المملوك من إخلاله بمحمد وآله إن شاء الله تعالى.