وأخبرني أيضاً قال: كان الشيخ تقي الدين بن تيمية يقول عنه: ابن الوكيل ما يرضى لنفسه أن يكون في شيء إلا غاية، ثم يُعدد أنواعاً من الخير والشر فيقول: كان في كذا غاية، وفي كذا غاية. انتهى.
قلت: وكان فيه لعب ولهو، ومع ذلك فحكى لي عنه جماعة ممن صحبه ونادمه في خلواته أنهم إذا فرغوا من حالهم قام وتوضأ ولبس قماشاً نظيفاً وصلى وبكى ومرّغ وجهه على الأرض والتراب، وبكى حتى بلّ لحيته بدموعه، واستغفر وسأل الله التوبة والمغرفة، حتى قال بعضهم: لقد رأيته قد قام من سجوده ولصق بجدار الدار كأنه أسطوانة ملصقة. وكان إذا مرض غسل ديوانه.
وكان قادراً على النظم من القريض والموشح والزجل والبلّيق والدوبيت والمواليّا والكان وكان، لا يفوته شيء ولا يعجزه، وهو في جميع هذه الأنواع مطبوع، له غوص على المعاني، ومع ذلك فكان ينتحل أشياء ويدّعيها.
حكى لي شيخنا الحافظ ابن سيد الناس، أنشدني مرة قصيدةً عينية منها قوله:
يا ربّ جفني قد هجاه هجوعه
ومنها:
يا ربِّ بدرُ الدين غاب عن الحمى ... فمتى يكون على الخيام طلوعه