ولم يكن الشام مرخصاً، وتوقفت الأمطار، وفزع الناس، وذلك في سنة خمس وتسعين وست مئة. وتبع ذلك وباء عظيم، وفناء كثير، ثم إن الغلاء وقع بالشام وبلغت الغَرارة مئة وثمانين.
وقد كتبغا بالعساكر الى الشام في ذي القعدة سنة خمس وتسعين، ولما عاد الى مصر من نوبة حمص في سلخ المحرّم سنة ست وتسعين وست مئة ووصل الى اللّجون جرى له ما جرى مما تقدّم ذكره في ترجمة كتبغا، وهرب كتبغا الى دمشق، ودخل لاجين بالخزائن وتسلطن بالقاهرة وتسمّى بالمنصور، ولم يختلف عليه اثنان، كما تقدم في ترجمة لاجين.
واستناب قراسنقر بمصر مدة، ثم إنه قبض عليه واستناب منكوتمر مملوكه، على ما تقدم، وجعل قبجق نائب دمشق، وجهز الملك الناصر الى الكرك، وقال: لو علمت أنهم يخلون الملك لك والله تركته، ولكنهم ما يخلونه، وأنا مملوكك ومملوك والدك، أحفظ لك الملك، فأنت تروح الى الكرك الى أن تترعرع وترتجل وتتخرّج وتدرب الأمور وتعود الى ملكك، بشرط أنك تعطيني دمشق وأكون بها مثل صاحب حماة، فقال له السلطان: فاحلف لي إنك تبقي عليّ نفسي وأنا أروح، فحلف كلٌ منهما على ذلك، وتوجه السلطان وأقام بالكرك الى أن قُتل لاجين، على ما تقدم في ترجمته، في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وست مئة، فحلف للسلطان الملك الناصر جميع الأمراء وأحضروه من الكرك وملّكوه. وهذه سلطنته الثانية. وجعل سلاّر نائباً بمصر، وحسام الدين أستادار أتابكاً.