وهذه قصيدة غرّاء طنانة، وقد أثبتها بكمالها في الجزء التاسع عشر من التذكرة التي لي.
وحكى لي عنه سيادةً كثيرة شاهدها منه، من ذلك أنه قال: دخلت يوماً إليه، فلقيني إنسان من الشعراء - نسيت أنا اسمه - ومعه قصيدة قد امتدحه بها، فقال: يا مولانا لي مدّة ولم يتفق لي إلى الصاحب وصول، فأخذتها منه ودخلت بها إليه وقلت: بالباب شاعرٌ وقد مدح مولانا، فقال: يدخل. فأعطاه القصيدة، ولم يمتنع من إسماعها كما يفعله بعض الناس، فلما فرغت أخذها منه، ووضعها الى جانبه، ولم يتكلم ولا أشار. فحضر خادم ومعه مبلغ مئتي درهم وتفصيلة، فدفعها لذلك الشاعر.
قلت: وهذه غاية في السيادة والرئاسة من سماعها وعدم قوله: أعطوه كذا، أو إشارة الى من يحضر فيشير إليه.
وقيل عنه: إنه كانت أحواله كلُّها كذا لا يشير بشيء ولا يتكلم به في بيته، وكل ما تدعو الحاجة إليه يقع على وفق المراد، وحكى لي أنه أضاف جدّه يوماً ووسّع فيه، فلما عاد الى بيته أخذ الناس يعجبون منه ومن همّته وكرم نفسه، فقال الصاحب بهاء الدين: ليس ما ذكرتموه بعجيب، لأن نفسه كريمة ومُكْنتُهُ متّسعة، والعجب العجب كونه طول هذا النهار وما حضر فيه من المأكول والمشروب والطعام والفاكهة والحلوى وغير ذلك على اختلاف أنواعه، ما قام من مكانه، ولا دعا خادماً فأسرّ إليه بشيء، ولا أشار بطرفه ولا بيده، ولم يجئ إليه أحد من خدمه ولا إشار إليه. وقيل: إن الناس تعجّبوا من كثرتهم وتشربهم الماء البارد في كيزان عامّة