رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطاني الملكي الصالحي، لازال يجبر بفضله مَن أصيب، ويغمر بإحسانه من فقد الدار والحبيب، ويعمر برفده من مُني من خطب الأيام بأوفر نصيب أن يرتب المجلس السامي القاضي شرف الدين في كذا جبراً لأبيه المصاب في غُصنيه اليانعين، وحصنيه المانعين، وبدريه الطالعين ونسريه الطائرين بجناح حياته، فأصبحا في حبائل الردى واقعين، وسرّيه المخبوءين في سواد عينه، وإن كانا بالثناء ضائعين.
فليباشر ذلك مباشرة أُلفت من بيته، وأجرت فارسَ بلاغتهم من طرسه ونقسه على أشهبه وكميته، مقتدياً بطريق أبيه، فهي طريقة مثلى، وحقيقة تُدرس أماليها وتُملى، وحديقة غرائس بنانها تجلّى محاسنها وتجلى، وعريقة في فن الكتابة التي يُفرغ عليها كيس الثناء حين يُملى، لأنه درة تاجه، وقرّة تخلف على أبيه ماضي سروره وابتهاجه، وغرة يُزان بها الفجر عند انصداعه وانبلاجه، مجتهداً في تحرير ما يكتبه وتقرير ما يرْقمه ويهذّبه، حتى تكون روضات الطروس مدبّجة بأزهار كلماته وتسجيعه، وترى وجنات هوامش القصص مطرزة بغدار توقيعه، والوصايا كثيرة، وتقوى الله تعالى ملاك ما نأمره باتّباعه، وأسلاك الدرر التي يؤم غيثها في انتجاعه، فلا يألف إلا حماها، ولا يرشف إلا لماها، والخط الكريم أعلاه الله وشرّفه أعلاه حجةً في ثبوت العمل بما اقتضاه إن شاء الله تعالى.
وكان القاضي تاج الدين قد أقام بعد ذلك بطرابلس على حاله الى أن تولى نيابة طرابلس الأمير سيف الدين بيدمر البدري في أوائل سنة سبع وأربعين وسبع مئة، فعُزل من كتابة سرِّ طرابلس، وطالبه الناس بحقوق، فأقام هناك الى أن خرج منها وحضر