وتنهي أنها من أعز الممالك وأصعب المسالك، قلعتها منيعة، وهضبتها رفيعة، وبقعتها وسيعة، وذروتها باسقة وقُلتها شاهقة، وقد اتخذت لها الغمام لثاماً، وزرقة السماء وشاماً، يكاد ساكنها يردُ من المجرة نهرها ويجالس من النجوم زهرها، وهي دار السلطنة الشريفة، ومحلّ الأرمن من الخيفة، قد جمعت بين قرب الأرض المقدسة والشام ومجاورة الأنبياء والبلد الحرام، ومع ذلك كله لسان إنشائها أقلف، وقلم توقيعها من الحجارة أجلف، ووليّه نصراني الدين، وفي ذلك إجحاف بالإسلام والمسلمين، وكانت صابرة على البلوى ومحتسبة عند الله ما تقاسيه من هذه الشكوى، لعدم من تنهي إليه حالها وتبث مقالها، الى أن أعزها الله بعز الدين، ومنحها منه بالرأي الصائب والفتح المبين:
أمير له حزم وعزم وفطنة ... ورأي يجيد العقد والحل صائبه
تردّى بثوب العدل والباس والندى ... كما قال من قد أحكمته تجاربه:
بصير بأعقاب الأمور كأنما ... تغازله من كل أمر عواقبه
فلما حل ساحتها، وأعاد لها بعد التعب راحتها، وأزال عنها كل بوس وأضحك وجوه أملها العبوس، حضر لديه منشئ هذه القصة ومزيل - إن شاء الله - هذه الغصة عبد الأبواب الشريفة محمد بن محمد بن خليفة ممن غذي بالإسلام، ونسب الى أنصار النبي عليه السلام، وهي تسأل توليته ديوان إنشائها، وإن لم يكن لذلك أهلاً، لكنه أحق من هذا الأقلف وأولى، لتكون المملوكة في ذلك كمن اتخذ سداداً من عوز أو تقلّد لعدم الدرّ الخرز: