فغبتُ عنه وأنشدته في اليوم الثاني:
أمّلت أن تتعطفوا بوصالكم ... فرأيتُ من هجرانكم ما لا يُرى
وعلِمتُ أن بعادكُم لا بدّ أن ... يَجري له دمعي دماً وكذا جرى
فأعجباه كثيراً وزهزهَ لهما.
وأنشدني من لفظه لنفسه يعارض ابن الخِيَمي:
قضى، وهذا الذي في حبّهم يجبُ ... في ذمّة الوجد تلكَ الروح تحتسِبُ
ما كان يوم رحيل الحيّ عن إضَمٍ ... لروحِهِ في بقاءٍ بعدَهُم أرَبُ
صبٌّ بكى أسفاً والشّملُ مجتمِعٌ ... كأنه كان للتفريقِ يرتقبُ
نأوْا فذابت عليهم روحُه أسفاً ... ما كان إلا النوى في حتفه سببُ
طوبى لمن لم يبدَّلْ دينَ حبِّهم ... بل ماتَ وهو الى الإخلاص منتسبُ
لو لم يمُت فيهم ما عاشَ عندَهم ... حياتُه من وفاةِ الحب تكتسبُ
بانوا وفي الحيّ ميتٌ ناح بعدَهم ... وُرْقُ الحمام وسحّت دمعَها السُّحُبُ
وشقّ غصنُ النّقا من أجله حَزَنا ... جيوبَه وأديرت حوله العُذبُ
وشاهدَ الغيثُ أنفاساً يصعّدها ... فعاد والبرقُ في أحشائه لهبُ
لو أنصفوا وقفوا حِفظاً لمهجتِه ... إن الوقوفَ على قَتلى الهوى قُرَبُ
يا بارقَ الثّغر لو لاحَت ثغورُهُم ... وشِمْت بارقها ما فاتكَ الشّنبُ
ويا قضيبَ النقا لو لم تجد خبراً ... عند الصَّبا منهم ما هزّك الطّربُ
ويا حيا جادَهم إن لم تكُن كلِفاً ... ما بالُ عينيكَ منها الماءُ ينسكبُ