بالله يا نَسمات الرّيحِ أين همُ ... وهل نأوْا أو دموعي دونَهم حُجُبُ
بالله لمّا استقلوا عن ديارهم ... أحنّت الدار من شوقٍ أم النجبُ
وهل وجدتَ فؤادي في رحالِهم ... فإنه عندَهُم من بعضِ ما سلبوا
نأوا غِضاباً وقلبي في إسارِهم ... يا لَيتَهُم غصَبوا روحي ولا غَضِبوا
عساك أن تعطفي نحوي معاطفَهم ... فالغصنُ بالريح ينأى ثم يقتربُ
وإن رجعتِ إليهم فاذكُري لهُم ... أني شرّقت بدمعِ العين مُذ غرَبوا
ثم اذكُري سفحَ دمعي في معاهدِهم ... لا يُذكَر السَّفْح إلا حن مغترب
قلت: فأعجبتني هذه القصيدة وهزّت أعطافي طرباً، لما هزأت بالروض وقد مرّت به نسمة الصبا وفارقته. وتوفي رحمه الله تعالى فأنشدتها يوماً بالقاهرة لبعض الأصحاب الأفاضل فألزمني بنظم شيء في هذه المادة، فاستعفيت، فلم يسعف بالإعفاء، فقلتُ مع اعترافي بأنه شهاب في أوجه، وأنا في حضيض من الحظ:
يا حيرةً مُذ نأوا قلبي بهم يجبُ ... ولو قضى ما قضى بعضَ الذي يجبُ
سرتُم وقلبي أسيرٌ في حُمولكُم ... فكيف يرجعُ مُضناكُم وينقلبُ
وأيُّ عيشٍ له يصفو ببعدكُم ... فالجسمُ منسبِكٌ والدّمع منسكبُ
ناحَت عليّ حَمامات اللّوى وونَت ... ولو رثَتْني ما في فِعلها عجَبُ