فلا تلزمني بالجواب وبالجوى ... لبعدك يكفيني الحنين المسامر
وشوقي الى ما فاتني من فضائل ... لها تقصت عندي البحور الزواخر
وإني إذا ما غنّت الوُرق نادب ... وإني إذا نام الخليّون ساهر
فلا زالت العلياء حاليةَ الطُّلى ... بألفاظك الحسنى فهنّ جواهر
يقبّل الأرض التي تضع الملائكة بها الأجنحة، ويدّخر بها من بركات الدعاء نفائس الأسلحة، تقبيل من عدم أنسه، وفقد من السرور فصله ونوعه وجنسه، وعلم أن بهجته من الزمن كانت عارية فاستردّها، وكذلك العواري. وتبيّن أن الفراق جعل القلب مملوك الجوى والعبرات جواري، وتحقق أن الدهر ناقد فأعدم كل مسلم للنوى شرط البخاري.
وكنا كما نهوى فيا دهرُ قُلْ لنا ... أفي الوَسعِ يوماً أن نعود كما كنّا
على أن المملوك يصبّر نفسه على فراق مولانا ويتجلد، ويعلل قلبه باجتماع الشمل فإنه ألِف العَود وتعوّد، ويحمل الأمر في هذا البين على الظاهر ولا يتأوّل، ويتمسّك في بُعده بما قاله الأول:
أأحباب قلبي والذين بذكرهم ... وترداده طولَ الزمان تعلّقي
لئن غاب عن عيني بديعُ جمالكم ... وحار على الأبدان حكمُ التفرّق
فما ضرّنا بُعدُ المسافة بيننا ... سرائرُنا تسري إليكم فنلتقي
وينهي ورود المشرفة الشريفة، لا بل كنز الفصاحة التي لو أنفق البليغ مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدّها ولا نصيفه، بل كعبة الحسن التي لا تزال الألباب بها طائفة،