قال القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله: حدّثني الأمير مظفّر الدين موسى بن مهنا قال: لما كنا في الاعتقال كان عمي محمد بن عيسى مغرى بدخول المرتفق والتطويل فيه، وكان المرتفق مقارباً لدور حريم السلطان أو لبعض الأمراء، فقلت له في ذلك فقال: يا ولد مهنا، لعلي أسمع خبراً من النسوان، فإنهن يتحدّثن بما لا يتحدث به الرجال. فبينما نحن ذات يوم، وإنما بمحمد قد خرج وقال بشراكم، قد سمعت صائحة النساء تقول: واسلطاناه، فقلنا له: دعنا مما تقول، فقال: هو ما أقول لكم. وكان لنا صاحب من العرب تنكّر وأقام بمصر، وكان يقف قبالة مرمى البُرج الذي نحن فيه ويومئ إلينا ونومئ إليه، غير أنه لا يسمعنا ولا نسمعه، فلما كنا في تلك الساعة ومحمد يحدثنا، وإذا بصاحبنا قد جاء وأومأ ثم مدّ يده الى التراب وصنع فيه هيئة قبر ونصب عليه عوداً، عليه خرقة صفراء كأنها صنجق سلطاني ثم نكسها وقعد كأنه يبكي، ثم وقف قائماً ورقص، فتأكّد الخبر عندنا بموت الأشرف. فلما فُتح علينا من الغد سألنا الفتّاح والسجانين فأنكروا، ثم اعترف لنا بعضهم، فكان ذلك أعظم سرور دخل على قلبنا.
ولما خرجوا من السجن شكوا احتياجهم الى النساء، فأطلق لهم جماعة من الجواري الأشرفيات، ولم يكن مرادهم بذلك إلا التشفي، وأُعيد الجماعة الى أهلهم إلا مهنا، فإنه أخّر مدة ثم جُهّز، ولما خرج من دمشق لحقه البريد من دمشق الى ثنيّة العقاب بأن يعود، فامتنع وتوجّه الى أهله، وكانوا قد ندموا على إطلاقه، ثم إنه قدم مصر بعد ذلك مرات وهو كالطائر الحذر الذي نُصبت له الأشراك في كل مكان، وآخر مرة قدمها في أوائل الدولة الناصرية الأخيرة سنة عشر وسبع مئة، وكان بلرلغي الكبير مملوك مهنا وهو الذي قدمه، فلما وجده قد أمسك تحدث فيه مع السلطان، وقال هذا مملوكي وقدمته ليعطى إقطاعاً في الحلقة فأعطى فوق حقّه حتى جعلتموه ملكاً من الملوك، وأنا أريد أن تأخذ كل ماله ومماليكه وتعطيه إياه برقبته ليكون عندي الى أن