طاعتك وخفرت الرّكب العراقي، وسيّرهم مع ابنه سليمان، وجهّز معهم لخربندا ومن حوله خيولاً مسوّمة من جهته، فقوبلوا بالإكرام والرعاية، وخلع على سليمان، وأطلق له أموالاً جمة، وجهّزت لمهنا خلع وإنعامات وبرالغ بالبصرة له ولأهله، ومعها الحلة والكوفة وسائر البلاد الفراتية، واشتدت الوحشة بينه وبين السلطان الملك الناصر محمد، فأعطى الإمرة لأخيه فضل، وتظاهر مهنا بالمنافرة والمُباينة والوحشة، وحضر الى خربندا، فأكرمه غاية الإكرام وأجلّه نهاية الإجلال، وقرر أمر الركب العراقي، وأعطى عصاه خفارة لهم وتأميناً، وضاع الزمان وامتدّت الأيام والليالي في المراوغة من مهنا، وهو يعد السلطان أنه يحضر إليه ويُمنّيه ويسوّف به من وقت الى وقت، والبريد يروح ويجيء، والرُسل تتردد مثل الأمير بهاء الدين أرسلان الدواردار والأمير علاء الدين الطّنبغا نائب حلب والشيخ صدر الدين بن الوكيل، وما ألوى ولا عاج، ثم كان أولاده وإخوته يتناوبون الحضور الى السلطان وهو ينعم عليهم بمئين ألوف وبالإقطاعات العظيمة والأملاك، وهم يمنّونه حضوره ويعدونه بقدومه، ومهنا لا يزداد إلا حذراً. والسلطان لا يزداد إلا طمعاً في حضوره، ومع ذلك في هذه المدة جميعها ما تنقطع المراسلات بينهما والمكاتبات والشفاعات، وإذا ظهرت للمسلمين مصلحة نبّه مهنا عليها وأشار إليها، وكان السلطان يقبل نُصحه.
ثم لما كان سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، توجّه مهنا بنفسه من ذاته الى السلطان، ووصل الى دمشق يوم الجمعة رابع ذي الحجة من السنة، ودخل الديار المصرية، فأكرمه السلطان غاية الإكرام وأنعم عليه بإنعامات كثيرة الى الغاية. وعاد مهنا راجعاً الى بلاده، وكان دخوله قلعة الجبل نهار الأحد عشري الحجة، وعاد الى دمشق فدخلها