وكان يرعى حقّ من خدمه، ويعلي كعب صاحبه وقدمه، ولم يكن فيه لأحد أذى، ولا رأى غيره من عينه قذى، منجمعٌ عن الناس، لا يجتمع بأحد في مآتم ولا أعراس، شُغله بخويصة نفسه، والاعتزال عن أبناء جنسه. وكان شديد الحزم، مديد الهمة والعزم:
لا يقرع السنَّ للفوات ولا ... يعضّ حرّ البنان من ندمه
يقلّ قدرُ الأنام عنه كما ... يصغر جنب الزمان في عظَمه
ولم يزل على حاله الى أن انهار به جُرفه، وتهدّم من عمره شُرفه.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين وسبع مئة بالقاهرة، ودفن بالقرافة، وكانت جنازة عظيمة، ثم إنه نقل تابوته الى دمشق، ودفن بتربتهم التي في الصالحية في شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وسبع مئة.
ومولده سنة خمس وأربعين وست مئة.
وكتبت أنا الى ولده القاضي علاء الدين كاتب السر أرثيه بقصيدة وهي:
يا قاصد الفضل عُد قد مات مُحييه ... وغاب من كان بين الناس يُبديه
وأوحشَ الدست ذاك لصّدرٍ حين مضى ... فطالما كانت الأسرار تأويه
كم دبر الملك بالآراء فامتنعت ... ثغوره وحماهُ من أعاديه
ورفّة السُمر والبيض الصفاح فما اح ... تاج الشجاعُ لأن تجري مذاكيه
وكم كتابٍ له أردى الكتائب لم ... ما بات في ساحة الديوان يُمليه
مهما نسيتُ فما أنسى توجّعه ... لي من زماني إذ خانت لياليه