نستبعده من الجانبين. وكان تنكز قد فوّض إليه الأمر في الشيخ ظهير الدين لأنه لم يصح ما نقله عنه، فبالغ ابن جملة في تعزير الظهير واستقصى، والاستقصاء شؤم، فعُقد له مجلس في يوم الجمعة تاسع عشري شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وسبع مئة، وقد بيّت القضية له حمزة، فدخل وهو قاضي القضاة في الشام، وخرج وهو فاسق قد حكم بعزله وسجنه في القلعة. وكانت واقعة غريبة في تلك الأيام لم يعهد الناس مثلها.
أنشدني إجازة لنفسه القاضي زين الدين عمر بن الوردي:
دمشق لا زال ربعُها خَضِراً ... بعدلها اليوم يُضربُ المثلُ
فضامنُ المكْسِ مطلقٌ فرحٌ ... فيها وقاضي القضاة معتقلُ
وقلت أنا في ذلك:
العفو يا ربّ من بلاءٍ ... قوى الورى ما تطيقُ حَمله
أمرٌ جرى في الوجود فرداً ... يا عجباً وهو لابن جَملَه
وأقام في الحبس خمسة عشر شهراً الى أن شفع فيه موسى بن مهنا، وتحدث الأمير سيف الدين تنكز مع قاضي القضاة شرف الدين المالكي في عاشر صفر سنة ست وثلاثين وسبع مئة في إخراجه من الاعتقال، فقال القاضي: يكتب خطه، ويُشهد عليه أن الحُكم الذي صدر منه في حقه صحيح، فلم يُجب الى ذلك، وتردّد الرسول إليه في ذلك غير مرة، ثم إنه أجاب الى أنه يمشي الى مجلس المالكي ويسلم عليه، فخرج من القلعة يوم الإثنين ثالث عشر صفر الى دار القاضي المالكي، ثم الى الجامع، ثم الى أهله بالمدرسة المسرورية.
وولي القضاة بعده القاضي شهاب الدين بن المجد عبد الله.