ولما خرج من الاعتقال أُعطي تدريس الدولعيّة، ثم تمرّض، وخلت المدرسة الشامسة البرانية، فدرّس بها أياماً بعد ذلك زين الدين بن المرحّل، وكانت وفاته بالمسرورية.
وكنت بالديار المصرية لما رسم السلطان الملك الناصر بولايته قاضي القضاة، فكتبت له تقليده بذلك ونسخته: الحمد لله الذي أعلى منار الشرع الشريف بجماله، وجلّى دُجاه بمن تحسدُه البدور في الأفق ليالي التمام على كماله، وشيّد ركنه بمن يقصر باع السيف في جلاده عند جداله، وحفظ قواعده بمن إذا أمسك قلم فتاويه تفيّأت الأحكام تحت ظلاله، وأحيا سنّته بمن تتضح به سنن حرامه وحلاله، ونشر لواء فضله بمن إذا ظمئ البحر المحيط فقُلْ دع ذا فإنك عاجز عن حاله.
نحمده على نعمه التي ادخرت لأيامنا الشريفة حَبراً عزّ بوجوده اجتماع المثلين، واقتطف ثمار العلوم فما داناه أحد في الفروع ولا وصل معه الى الأصلين، وطال بالعلم ثم بالحلم وزاد في تطوّلاته ولم يقتصر على الطولين، وأجمع الناس على استحقاقه، فلم تكن المسألة فيه ذات قولين.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ندّخرها ليوم القضاة والفصل، ونعلم أنها أصل الإيمان وما سواه فرعٌ والقياس ردُّ فرع الى أصل، ونعتمد على بركات فضلها في الأمر والنهي والقطع والوصل، وننال بإخلاصها على أعداء الدين عز العزم ونصر النّصل.
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله خير من قضى ومضى، وأعدل من مضى،