ولا تعجبوا إنّ متّ حين فراقكم ... إذا بان حبّي كيف لا ينقضي نحبي
أأحبابنا كيف استقلت ركابكم ... وما علقتها العين في شرك الهُدب
وطرتم سراعاً كالطيور مشقة ... فهلاّ وقعتم في القلوب على الحَبّ
ووالله ما حدّثت نفسي بمجلس ... سوى ما أفاض الدمع فيه من الجبّ
ولا كان شرق الدمع من طبع مقلتي ... إلى أن تغربتم ففاض من الغَرْب
ونغّصتم طِيبَ الحياة ببعدكم ... وهيهات أن ترجى حَيَاةُ فتىً صَبِّ
أأبغي سواكم في الهوى أو أريده ... وهجركم سقمي ووصلكم طبّي
دعوني وأطلال الديار أُنحْ بها ... وأندبها إن كان ينفعها ندبي
فكتبت أنا الجواب إليه:
دعوتم علة بعد فلبّاكم لبّي ... وناجاكم قلبي على البعد والقرب
وما لي وذكر الدار يا ساكني الحشا ... وداركم عيني وداركم قلبي
وأقسم أنّ الجفن فيكم جفا الكرى ... وأحرق قلب الصب من دَمعه الصَّبِّ
إذا قلتُ هُبّي يا نُسيمةَ دارِهم ... يقول الجوى يا نارَ أشواقه شبّي
أيا جيرة بالقلب لا الشام خيّموا ... محاسنكم تصبي القلوب فلم تسبي
لأنتم وإن أضرمتم النار في الشحا ... ألذّ إلى قلبي من البارد العذب
رفعتكم جَرّاً إلى نصب ناظري ... فيا حبّذا رفعٌ يجر إلى نَصْب
أحاشيكم أن يألفَ القلبُ غيركم ... فقلبي لا يرضى بهذا ولا ربّي
وحقكم ما راقني غيرُ حُسنكم ... وإحسانكم حسبي بما راقني حسبي