السلطان على لسان الأمير سيف الدين قجليس أن يطلق من الخزانة ومن الإصطبل ما يريده، وأن يأخذ منهما ما يختاره، فما فعل شيئاً من ذلك.
وكان الناس في كل يوم موكب يوقدون الشموع بين القصرين، ويجلس النساء والرجال على الطرق والأسطحة ينتظرون أن تمرتاش يلبس للإمرة، ثم إنه عبرت عينه أيضاً على مماليك السلطان الأمراء الخاصكية، ويقول: هذا كان كذا، وهذا كان في البلاد كذا، وهذا ألماس كان جمالاً، فما حمل السلطان هذا منه.
وألبس يوماً قباء من أقبية الشتاء على يد بعض الحجاب، فرماه عن كتفه، وقال: ما ألبسه إلا من يد ألماس أمير حاجب. ولما وصل القاهرة أقاموا الأمير شرف الدين أمير حسين بن جندر من الميمنة، ونقلوه إلى الميسرة، وأجلسوه مكانه.
ولم يزل على حاله بالقاهرة، إلى أن قتل جوبان أبوه في تلك البلاد، فأمسك السلطان تمرتاش، واعتقله فوجد لذلك ألماً عظيماً. وقعد أياماً لا يأكل فيها شيئاً، إنما يشرب ماء ويأكل بطيخاً، لما يجده في باطنه من النار، وكان قجليس يدخل إليه ويخرج ويطيب خاطره، ويقول له: إنما فعل السلطان هذا لأن رسل القان بوسعيد على وصول، وما يهون على بوسعيد أن يبلغه عن السلطان أنه أكرمك. وقد حلف كل منهما للآخر، فقال له يوماً: أنا ضامن عندكم انكسر لكم علي مال، حبستموني حتى أقوم به؟، إن كان شيء فالسيف، وإلا فما في حبسي فائدة، والله ما جزائي إلا أن أسمر على جمل، ويطاف في بلادكم، هذا جزاء وأقل جزاء من يأمن إلى الملوك، ويسمع من كلامهم وأيمانهم.