وبراهين إذا أوردها كأنها له طبيعة وجبله، ومسائل أصول إذا سردها قلت هذه سحائب مستهله، لم أر بعده من يقول: أيها الناس أفصح منه، ولا من خطب زان منبره ولم يشنه، يؤدي الألفاظ بتجويد حروفها، ويذكر القلوب القاسية بما نسيته من خطوب الدنيا وصروفها، كم جعل العبرات على الخدود وهي هوامي هوامع، وكم غادر العيون وهي دوامي دوامع، شدت الفصاحة لحييه، وسدت البلاغة نحييه، تزور في الموعظة حدقتاه، وتحمر لفرط الحرص على القبول وجنتاه، كأنه منذر جيش، أو منكر طيش.
وكانت له في البحث سلطه، وغلظة على خصمه لا تصحف بغلطه، وله قدرة على التعليم، وفراسة في وجه التلميذ إذا أخذ قوله بالتسليم، يعلم من الطالب إذا فهم، ولا يخفى عليه إذا بهم، فلا يزال يغير له الأمثلة، ويدير الأسئلة إلى أن تتكشف عنه الغيابه، ويظهر له أنه حصل على العنايه.
ولم يزل يذكر بوعظه ويحبر بلفظه إلى أن رمي تفيهقه بالصمات، ونزلت بذويه سمات الشمات.
وتوفي - رحمه الله تعالى - فجأة في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وعشرين وسبع مئة.
ومولده بالكرك سنة ثمان وخمسين وست مئة.
كان والده الشيخ كمال الدين خطيب قلعة صفد، وكان ينوب عن والده ويكتب الإنشاء، ويوقع عن النواب بصفد، فلما قدم الأمير سيف الدين بتخاص إلى صفد