فكتب الجواب عن ذلك رحمه الله تعالى: يقبل الباسطة ألهمها الله الوفاء لمن وفى بعهوده، وأطلع نجمها المتقد في مطالع سعوده، وأعاد غصنها إلى منبت سما منه رافلاً في خلع بروده، مثمراً بدوحة منشئه الذي ما يفتح ورده إلا لما سقي ماء ورده عند وروده، وينهي بعد وصف شوقه الذي تطاول عليه ليله فادلهما، ولمع في دجنته بارق اللواعج فأضرم بين الجوانح نيران الخليل لما، وأجرى من جفنه القريح طوفان نوح فلأجل ذلك هجره الوسن ومن بعد الهجران به ما ألما، وكابد فؤاده هما، ووالذي يعلم خائنة الأعين بالسلو ما هما، وعاهده على الأخذ بسنة الصبر الجميل فلم يف بعهد " ولَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً "، وأراد القلم أن يصف ما وجد بعد البعد من الأسف نثراً، فأبت البلاغة إلا أن يكون نظما، وهو:
نأيتم فأمسى الدمّع منّي مورّدا ... على صحن خدّ صار بالسّقم عسجدا
إذا ما بدا في وجنتي منه صيّبٌ ... رأيت من الياقوت نثراً مبدّدا
وإن نظمته فوق نحري صبابةٌ ... تبيّنت عقداً بالشذور منضّدا
وما حثّه إلا بريقٌ تتابعت ... لوامعه يبدين نصلاً مجرّدا
وكم أذهب التذهيب منه حشاشةً ... وأودع حزناً في الفؤاد مجدّدا
بدا من سفيرٍ مستطيرٍ ضياؤه ... فآنست ناراً في الدجنّة مذ بدا
وأمى فؤادي كالكليم ولم يجد ... على النار لما أن تحقّقها هدى