وهو شاب، فقال: قد عزمت على زواجه، وأدعو له ملوك السواحل، وأريدكم تحضرون ذلك النهار، فتوجه الثلاثة الكبار وبقي أخوهم الصغير في الحصن ووالدته وجماعة قليلة، وتوجهوا إليه، وامتلأ الساحل بالشواني والمدينة بالفرنج الغتم وتلقوهم بالشمع والمغاني، فلما صاروا في القلعة، وجلسوا مع الملوك قعدوا إلى العصر، ثم إنهم غدروا بهم وتكاثروا عليهم وأمسكوهم وأمسكوا غلمانهم، وغرقوهم وركبوا في الليل، ومع صاحب بيروت جميع العسكر القبرسي واشتغلوا بالحصن، وانجفل الفلاحون قدامهم والحريم والصبيان إلى الجبال والشعراء والكهوف وطاولوهم، وعلم أهل الحصن بأن الجماعة قد أمسكوهم وغرقوهم، ففتحوا الباب، وخرجت العجوز ومعها ولدها الصغير وعمره سبع سنين، ولم يبق بينهم سوى هذا واسمه حجي، وهو جد والد هذا ناصر الدين.
ولما حضر السلطان صلاح الدين وفتح صيدا وبيروت، توجه إليه هذا حجي وباس رجل السلطان صلاح الدين في ركابه، فلمس رأسه بيده وقال: أنا آخذ ثأرك، طيب قلبك، أنت موضع أبيك، وأمر له بكتابة أملاك أبيه، وهي القرايا التي بأيديهم بستين فارساً. ولم يزالوا على ذلك إلى أيام الملك المنصور قلاوون، فذكر أولاد تغلب من مشغرا قدام الشجاعي أن بيد الجبلية أملاكاً عظيمة بغير استحقاق، ومن جملتهم أمراء الغرب، وتوجهوا معه إلى مصر، فرسم المنصور بإقطاع أملاك الجبلية مع بلاد طرابلس لجندها وأمرائها، فأقطعت لعشرين فارساً من طرابلس، فلما كان أيام الملك الأشرف توجهوا إليه وسألوه أن يخدموا على أملاكهم بالعدة، فرسم لهم بها وأن يزيدوها عشرة أرماح أخر.