للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما كان أيام الروم في أيام تنكز وكشفها الأمير علاء الدين بن معيد، حصل من تفضول في حقهم، فرسم السلطان الملك الناصر أن تستمر عليهم بمضاعفة العدة، فاستقرت عليهم لستين فارساً، وهي إلى الآن باقية على هذا الحال.

وأما هذا ناصر الدين فإنه كان جواداً سمحاً، لا يزول كرمه ولا يمحى، يخدم أعيان الناس، ويتجاوز الحد في ذلك والقياس، ومن يتوجه إلى تلك النواحي، فإنه يجد منه ثغر جود يخجل الأقاصي.

وكان يكتب جيداً ويأتي من المحاسن ما حق له أن يدعى سيداً، ويترسل ترسلاً فيه فصاحة وبلاغة، وكلمات كأنها قد صاغها صياغة، وفيه عدة فضائل، وكرم عشرة ولطف شمائل، ورئاسة تدل على كرم أصله، وسيادة يترجم عنها لسان قلمه ونصله. وهو مطاع في قومه، لا يصل المشتري ولا زحل إلى سومه، إذا قال لأحدهم: اسكت رمي من وقته بالصمات، وإذا قال له قم قام، وإذا قال له مت مات، يتسارعون إلى امتثال أوامره، ويتقارعون على الفوز بالتحلي من كلامه بجواهره.

ولم يزل على حاله إلى أن غرب نجم أمير الغرب، ولم يدفع عنه أحد بطعن ولا ضرب.

وتوفي - رحمه الله تعالى - في نصف شوال سنة إحدى وخمسين وسبع مئة.

ومولده سنة ثمان وستين وست مئة.

ولما كبر وأسن نزل قبل موته بسنتين عن إمرته لولده الأمير زين الدين صالح، وكنت قد توجهت إلى بيروت ولم يكن بها، فسير إلي قاصداً يطلبني لأتوجه إليه إلى أعبيه، لأرى مكانه فيها، فإن الناس يصفونه بحسن زائد وطيب هواء وماء،

<<  <  ج: ص:  >  >>