للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَبْطَلَ حُجَّةَ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ اسْتَدَلُّوا بِالقَدَرِ عَلَى مَعَاصِيهِم وَزَعَمُوا أَنَّ اللهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي شَاءَ ذَلِكَ، بِمَعْنَى أَنَّهُم لَيسَ لَهُم اخْتِيَارٌ يُلَامُونَ عَلَيهِ! فَقَالَ تَعَالَى: ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾ [الأَنْعَام: ١٤٨].

٤ - أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ لِلعَبْدِ مَشِيئَةً مُسْتَقِلَّةً -مِنْ جِهَةِ اخْتِيَارِهِ-، وَلَكِنَّهَا خَاضِعَةٌ لِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى؛ فَلَا يَقَعُ إِلَّا مَا شَاءَهُ اللهُ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التَّكْوِير: ٢٨ - ٢٩] (١).

٥ - أَنَّ القَولَ بِسَلْبِ مَشِيئَةِ وَاخْتِيَارِ العَبْدِ يُبْطِلُ الثَّوَابَ وَالعِقَابَ! وَلَولَا نِسْبَةُ الفِعْلِ إِلَى العَبْدِ مَا كَانَ لِلثَّنَاءِ عَلَى المُؤْمِنِ المُطِيعِ وَإِثَابَتِهِ فَائِدَةٌ، وَكَذَلِكَ عُقُوبَةُ العَاصِي وَتَوبِيخُهُ، وَهَذَا قَادِحٌ فِي الإِيمَانِ بِاليَومِ الآخِرِ، وَقَادِحٌ فِي عَدْلِهِ تَعَالَى.

بَلْ إِنَّهُ "إِذَا كَانَ الْعُقَلَاءُ مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْمَخْلُوقِ لَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ احْتِجَاجًا بِالْقَدَرِ؛ فَكَيفَ يَجُوزُ إسْقَاطُ حَقِّ الْخَالِقِ احْتِجَاجًا بِالْقَدَرِ؟! وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْحَكَمُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْه أَجْرًا عَظِيمًا" (٢).


(١) وَفِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا﴾ [الإسراء: ١٥] بَعْدَ قَولِه سُبْحَانَه: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ﴾ أَنَّ "الأَفْعَالَ جَارِيَةٌ مِن فَاعِلِيهَا عَلَى مَا سَبَقَ مِن القَضَاءِ عَلَيهِم فِيهَا، وَإِنَّ مَن نَسَبَ الفِعْلَ إِلَيهِم وَالقَضَاءَ إِلَيهِ سُبْحَانَهُ؛ فَقَد قَالَ بِجَمِيعِ المَعْنَيَين وَاسْتَقَامَ قَولُهُ". يُنْظَرُ: النُّكَتُ الدَّالَّةُ عَلَى البَيَانِ، لِلقَصَّابِ (٢/ ١٠٩).
(٢) مَجْمُوعُ الفَتَاوَى (١٤/ ٣١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>