للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفي الحَدِيثِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ -بِنْتَ رَسُولِ اللهِ فَقَالَ لَهُمْ: ((أَلَا تُصَلُّونَ؟)) فَقَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللهِ؛ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيهِ شَيئًا، ثُمَّ سَمِعَهُ -وَهُوَ مُدْبِرٌ يَضْرِبُ فَخِذَهُ- وَهُوَ يَقُولُ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا﴾ [الكَهْف: ٥٤] (١).

"فِي هَذَا الحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي مُعَارَضَةُ الأَمْرِ بِالقَدَرِ، فَإِنَّ قَولَهُ: (إِنَّمَا نُفُوسُنَا بِيَدِ اللهِ) إِلَى آخِرِهِ، اسْتِنَادٌ إِلَى القَدَرِ فِي تَرْكِ امْتِثَالِ الأَمْرِ، وَهَذَا القَولُ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ الأَمْرِ، بَلْ مُعَارَضَةُ الأَمْرِ بِهَذَا مِنْ بَابِ الجَدَلِ المَذْمُومِ الَّذِي قَالَ اللهُ فِيهِ: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا﴾، وَلِهَذَا انْصَرَفَ عَنْهُ النَّبِيُّ كَارِهًا لِمَقَالَتِهِ، وَتَلَا قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيءٍ جَدَلًا﴾، وَضَرْبُهُ فَخِذَهُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ أَيضًا، وَتَعَجُّبِهِ مِنْ عَلِيٍّ كَيفَ يُعَارِضُ قَولَهُ لَهُ: ((أَلَا تُصَلُّونَ؟)) بِتِلْكَ المَقَالَةِ؟! وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ شَيءٍ بِمَشِيئَةِ اللهِ، فَلَو أَنَّ كُلَّ مَنْ أُمِرَ بِأَمْرٍ قَالَ: إِذَا شَاءَ اللهُ فَعَلْتُهُ وَإِذَا شَاءَ لَمْ أَفْعَلْهُ! لَتَعَطَّلَتِ الأَوَامِرُ كُلُّهَا، وَسَادَ هَوَى النُّفُوسِ" (٢).

وَأَمَّا الجَوَابُ عَلَى اسْتِدْلَالِ الفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ:

١ - أَنَّ إِثْبَاتِ مَشِيئَةِ العَبْدِ لَا يَعْنِي اسْتِقْلَالَهَا -مِنْ جِهَةِ الوُقُوعِ-! وَلَكِنَّهَا تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التَّكْوِير: ٢٨ - ٢٩].

٢ - أَنَّ إِثْبَاتَ وُجُودِ شَيءٍ فِي الكَونِ بِغَيرِ مَشِيئَةِ اللهِ هُوَ نَوعُ إِشْرَاكٍ بِهِ مِنْ جِهَةِ


(١) البُخَارِيُّ (٧٣٤٧)، وَمُسْلِمٌ (٧٧٥).
(٢) شَرْحُ كِتَابِ التَّوحِيدِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ (٢/ ٢٥٩) لِلغُنَيمَانُ حَفِظَهُ اللهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>