للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَلِهَذَا سَمَّى النَّبِيُّ القَدَرِيَّةَ مَجُوسَ هَذِهِ الأُمَّةِ (١).

٣ - أَنَّ عِلْمَ اللهِ بِكُلِّ شَيءٍ وَبِمَا سَيَكُونُ فِي المُسْتَقْبَلِ يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ أَرَادَهُ كَونًا؛ وَهَذِهِ هِيَ المَشِيئَةُ.

٤ - أَنَّ فِعْلَ العَبْدِ مِنْ طَاعَةٍ أَو مَعْصِيَةٍ يُنْسَبُ إِلَيهِ مُبَاشَرَةً لِأَنَّ فِيهِ اخْتِيَارًا مِنْهُ، وَهُوَ أَيضًا يُنْسَبُ إِلَى اللهِ تَعَالَى خَلْقًا وَمَشِيئَةً، وَمَفَادُهُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ شَيءٌ عَنْ مُلْكِهِ وَإِذْنِهِ سُبْحَانَهُ، فَهُوَ دَلِيلُ عَظَمَةِ الرَّبِّ تَعَالَى وَكَمَالِ سُلْطَانِهِ، وَتَأَمَّلْ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾ [البَقَرَة: ٢٥٣] (٢) (٣).


(١) صَحِيحٌ. وَهُوَ لَفْظُ الحَدِيثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (٤٦٩١) عَنِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا. صَحِيحُ الجَامِعِ (٤٤٤٢).
قَالَ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ السُّنَنُ الكُبْرَى (١٠/ ٣٤٩): "إِنَّمَا سَمَّاهُمْ مَجُوسًا لِمُضَاهَاةِ بَعْضِ مَا يَذْهَبُونَ إِلَيهِ مَذَاهِبَ المَجُوسِ فِي قَولِهِمْ بِالأَصْلَينِ -وَهُمَا النُّورُ وَالظُّلْمَةُ-، يَزْعُمُونَ أَنَّ الخَيرَ مِنْ فِعْلِ النُّورِ وَأَنَّ الشَّرَّ مِنْ فِعْلِ الظُّلْمَةِ! فَصَارُوا ثَنَوِيَّةً، كَذَلِكَ القَدَرِيَّةُ يُضِيفُونَ الخَيرَ إِلَى اللهِ وَالشَّرَّ إِلَى غَيرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَالِقُ الخَيرِ وَالشَّرِّ، وَالأَمْرَانِ مَعًا مُضَافَانِ إِلَيهِ خَلْقًا وَإِيجَادًا وَإِلَى الفَاعِلِينَ لَهُمَا مِنْ عِبَادِهِ فِعْلًا وَاكْتِسَابًا، هَذَا قَولُ أَبِي سُلَيمَانَ الخَطَابِيِّ ".
قُلْتُ: وَهُمْ فِي الحَقِيقةِ فَاقُوا المَجُوسَ فِي هَذِهِ البِدْعَةِ لِأَنَّهُم أَثْبَتُوا خَالِقَينِ كُثُر بِعَدَدِ العِبَادِ.
(٢) قَالَ الشَّيخُ الغُنَيمَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوحِيدِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ (٢/ ٤٩٢): "فَأَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوقَةٌ للهِ كَسَائِرِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَمَفْعُولَةٌ لَهُ، وَهِيَ فِعْلُ العِبَادِ حَقِيقَةً، وَقَائِمَةٌ بِهِم حَقِيقَةً. فَالكُفْرُ وَالكَذِبُ وَالظُّلْمُ وَنَحْو ذَلِكَ مِنَ القَبَائِحِ؛ يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ قَامَتْ بِهِ وَفَعَلَهَا، وَلَا يَتَّصِفُ بِهَا مَنْ خَلَقَهَا وَجَعَلَهَا صِفَةً لِغَيرِهِ! فَكَمَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَكُونُ مُتَّصِفًا بِمَا خَلَقَهُ فِي خَلْقِهِ مِنَ الأَلْوَانِ وَالرَّوَائِحِ وَالطُّعُومِ! فَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَّصِفًا بِالفِعْلِ الَّذِي خَلَقَهُ فِي عِبَادِهِ وَجَعَلَهُ وَصْفًا لَهُم.
وَبِهَذَا تَزُولُ شُبْهَةُ المُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُم فَي نَفْيِهِمُ الأَفْعَالَ القَبِيحَةَ أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللهِ وَخَلْقِهِ مُحْتَجِّينَ بِأَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ القَبِيحِ. وَاللهُ أَعْلَمُ".
(٣) وَيُقَالُ: "إِنَّ بَعْضَ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ أُحْضِرَ لِلْمُنَاظَرَةِ مَعَ بَعْضِ أَئِمَّةِ المُعْتَزِلَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ المُعْتَزِلِيُّ قَالَ:
=

<<  <  ج: ص:  >  >>