للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسُولُ اللهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى المِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيءٍ مِنْهُ؛ حَتَّى إِنِّي أَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللهِ ؟ (١)

- قَولُهُ: ((أَنَا المَلِكُ)) أَي أَنَّهُ فِي ذَلِكَ اليَومِ لَا مُلْكَ لِأَحَدٍ سِوَى اللهِ ﷿، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيءٌ لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ﴾ [غَافِر: ١٦]، وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَقَدْ جَعَلَ اللهُ مِنَ النَّاسِ مُلُوكًا عَلَى مَا اسْتَخْلَفَهُم فِيهِ (٢)، وَمُلْكُهُم قَاصِرٌ وَلَا رَيبَ (٣)، وَأَمَّا مُلْكُ اللهِ تَعَالَى تَامٌّ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى فِي الآخِرَةِ يَحْشُرُ النَّاسَ جَمِيعًا حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا (٤)؛ فَيَظْهَرُ فِيهِ بِشَكْلٍ بَيِّنٍ -لَا خَفَاءَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ وَلَا اسْتِكْبَارَ- كَمَالُ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ تَعَالَى.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ في التَّفْسِيرِ (١/ ١٣٤): "وَتَخْصِيصُ المُلْكِ بِيَومِ الدِّينِ لَا يَنْفِيهِ عَمَّا عَدَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ الإِخْبَارُ بِأَنَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ، وَذَلِكَ عَامٌّ فِي الدُّنْيَا


(١) صَحِيحٌ. ابْنُ مَاجَه (١٩٨). صَحِيحُ ابْنِ مَاجَه (١٩٨)، وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ أَيضًا (٢٧٨٨)؛ وَلَكِنْ لَيسَ فِيهِ ذِكْرُ المَيلُ.
قَالَ الشَّيخُ الغُنَيمَانُ حَفِظَهُ اللهُ فِي شَرْحِ كِتَابِ التَّوحِيدِ مِنْ صَحِيحِ البُخَارِيِّ (١/ ٣٣٠): "وَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ جَعَلَ يَقْبِضُ يَدَيهِ وَيَبْسُطُهُمَا -تَحْقِيقًا لِلصِّفَةِ- لَا تَشْبِيهًا لَهَا، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَرَأَ قَولَهُ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾ [النِّسْاء: ١٣٤] وَضَعَ إِصْبِعَهُ عَلَى عَينِهِ وَالأُخْرَى عَلَى أُذُنِهِ؛ تَحْقِيقًا لِصِفَةِ السَّمْعِ وَالبَصَرِ".
قُلْتُ: وَالحَدِيثُ الأَخِيرُ صَحِيحٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (٤٧٢٨). صَحِيحُ أَبِي دَاوُد (٤٧٢٨).
(٢) كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحَدِيد: ٧].
(٣) وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ﴾ بَيَانُ نَوَاحِي هَذَا القُصُورِ.
(٤) (غُرْلًا): أَي: غَيرُ مَخْتُونِينَ، كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأَنْبِيَاء: ١٠٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>