للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ أَيضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ دَخَلَ عَلَى أُمِّ السَّائِبِ -أَو أُمِّ المُسَيَّبِ- فَقَالَ: ((مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ -أَو يَا أُمَّ المُسَيَّبِ- تُزَفْزِفِينَ؟)) (١) قَالَتْ: الحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: ((لَا تَسُبِّي الحُمَّى؛ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ)) (٢).

- فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا قَولُهُ : ((أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ)) مَعَ قَولِهِ أَيضًا فِي حَدِيثٍ آخَرٍ: ((وَالشَّرُّ لَيسَ إِلَيكَ)) (٣) تَفْصِيلٌ، وَهُوَ: أَنَّ الخَيرَ وَالشَّرَّ مَخْلُوقَانِ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَلَكِنَّ الشَّرَّ لَيسَ مَقْصُودًا ابْتِدَاءً، بَلْ هُوَ خَيرٌ فِي حَقِيقَتِهِ، فَيَظْهَرُ فِيهِ فَضْلُ اللهِ تَعَالَى عَلَى الصَّابِرِ، وَعَدْلُهُ مَعَ الكَافِرِ.

وَقَالَ العُلَمَاءُ: أَفْعَالُ اللهِ تَعَالَى كُلُّهَا حِكْمَةٌ؛ تَدُورُ بَينَ العَدْلِ وَالفَضْلِ (٤).


(١) قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (١٦/ ١٣١): " ((تُزَفْزِفِينَ)) مَعْنَاهُ: تَتَحَرَّكِينَ حَرَكَةً شَدِيدَةً، أَي تَرْعَدِينَ".
(٢) مُسْلِمٌ (٢٥٧٥).
(٣) وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ عَليٍّ مَرْفُوعًا فِي مُسْلِمٍ (٧٧١).
وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الإِشْكَالِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيرِ فِتْنَةً وَإِلَينَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأَنْبِيَاء: ٣٥].
(٤) قُلْتُ: وَتَأَمَّلْ قِصَّةَ مُوسَى مَعَ الخَضِرِ وَمَا فِيهَا مِنَ الحِكَمِ، ثُمَّ تَأَمَّلْ قَولَ الخَضِرِ ﴿وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي﴾ [الكَهْف: ٨٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>