للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - أَنَّهُ يُمْكِنُ القَولُ بِأَنَّ البَاءَ هُنَا سَبَبِيَّةٌ -أَو بِمَعْنَى اللَّامِ-، يَعْنِي أَنَّ الإنْكَاحَ هَذَا سَبَبُهُ لِأَجْلِ أَنَّكَ حَامِلٌ لِلقُرْآنِ، وَهَذَا وَجْهٌ فِيهِ إِظْهَارُ حُرْمَةِ القُرْآنِ؛ خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَ البَاءَ هُنَا لِلعِوَضِ (١).

قُلْتُ: وَلَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيهِ لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِيهِ: ((انْطَلِقْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا؛ فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ)) (٢).

قَالَ العَلَّامَةُ مُحَمَّدُ الأَمِين الشِّنْقِيطِيُّ -فِي مَعْرِضِ ذِكْرِ أَدِلَّةِ المُجِيزِينَ-: "فَقَالُوا: هَذَا الرَّجُلُ أَبَاحَ لَهُ النَّبِيُّ أَنْ يَجْعَلَ تَعْلِيمَهُ بَعْضَ الْقُرْآنِ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ عِوَضًا عَنْ صَدَاقِهَا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِوَضَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ جَائِزٌ، وَمَا رَدَّ بِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّهُ زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِغَيرِ صَدَاقٍ إِكْرَامًا لَهُ لِحِفْظِهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَجْعَلِ التَّعْلِيمَ صَدَاقًا لَهَا! مَرْدُودٌ بِمَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ: ((انْطَلِقْ؛ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا؛ فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ)) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ: ((عَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ)) (٣).

وَاحْتَجُّوا أَيضًا بِعُمُومِ قَوْلِهِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ((إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) قَالُوا: الْحَدِيثُ -وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الْجُعْلِ عَلَى الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ- فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ، وَاحْتِمَالُ الْفَرْقِ بَينَ الجُعْلِ عَلَى الرُّقْيَةِ وَبَينَ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّعْلِيمِ ظَاهِرٌ.


(١) انْظُرْ كِتَابَ (إِكْمَالُ المُعْلِمِ شَرْحُ مُسْلِمٍ) لِلقَاضِي عِيَاض (٤/ ٥٨١).
(٢) صَحِيحُ مُسْلَم (١٤٢٥).
(٣) ضَعِيفٌ. أَبُو دَاود (٢١١٢). ضَعِيفُ الجَامِعِ (٤١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>