للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ لَفْظِ (اسْتَوَى)، وَتَفْوِيضًا لِعِلْمِ كَيفِيَّةِ هَذَا الارْتِفَاعِ إِلَى اللهِ ﷿" (١).

ب- أَنَّ الاسْتِوَاءَ هُنَا بِمَعْنَى القَصْدِ التَّامِ، وَإِلى هَذَا القَولِ ذَهَبَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ البَقَرَةِ، وَالبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِ فُصِّلَت.

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ : "أَي: قَصَدَ إِلَى السَّمَاءِ، وَالاسْتِوَاءُ هَاهُنَا ضُمِّنَ مَعْنَى القَصْدِ وَالإِقْبَالِ؛ لِأَنَّهُ عُدِّيَ بِإلَى" (٢).

وَقَالَ البَغَوِيُّ: "أَي: عَمَدَ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ" (٣).

وَهَذَا القَولُ لَيسَ صَرْفًا لِلكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِه، وَذَلِكَ لِأَنَّ الفِعْلَ (اسْتَوَى) اقْتَرَنَ بِحَرْفٍ يَدُلُّ عَلَى الغَايَةِ وَالانْتِهَاءِ، فَانْتَقَلَ إِلَى مَعْنًى يُنَاسِبُ الحَرْفَ المُقْتِرِنَ بِهِ (٤).


(١) تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ (١/ ٧٨).
(٢) تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ (١/ ٢١٣).
(٣) تَفْسِيرُ البَغَوِيِّ (٧/ ١٦٥).
(٤) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ : "وَأَمَّا نَزْعُ -مَنْ نَزَعَ مِنْهُمْ- بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ وَاقِدٍ الوَاسِطِيُّ عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طَه: ٥]: (اسْتَولَى) عَلَى جَمِيعِ بَرِيَّتِهِ؛ فَلَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ! فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَنَقَلَتُهُ مَجْهُولُونَ ضُعَفَاءُ، فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ فَضَعِيفَانِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ، وَهُمْ لَا يَقْبَلُونَ أَخْبَارَ الْآحَادِ الْعُدُولِ؛ فَكَيفَ يَسُوغُ لَهُمُ الِاحْتِجَاجُ بِمِثْلِ هَذَا مِنَ الْحَدِيثِ لَوْ عَقِلُوا أَوْ أَنْصَفُوا؟! أَمَا سَمِعُوا اللَّهَ ﷿ حَيثُ يَقُولُ: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ [غافر: ٣٦ - ٣٧] فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُوسَى كَانَ يَقُولُ: "إِلَهِي فِي السَّمَاءِ" وَفِرْعَوْنُ يَظُنُّهُ كَاذِبًا! ". التَّمْهِيدُ (٧/ ١٣٢).
وَرَاجِعْ إِثْبَاتَ سَقْطِ كَلِمَةِ "اسْتَولَى" فِي نَقْلِ ابْنِ القَيِّمِ لِنَفْسِ المَوْضِعِ مِنَ التَّمْهِيدِ فِي كِتَابِهِ (اجْتِمَاعُ الجُيُوشِ الإِسْلَامِيَّةِ) (٢/ ١٤٦)، وَكَذَا فِي كِتَابِ (العَرْشِ) لِلذَّهَبِيِّ (١/ ١٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>