للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَفْسِيرُ مَعِيَّةِ اللهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ بِمَا يَقْتَضِي الحُلُولَ وَالاخْتِلَاطَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ؛ مِنْهَا:

أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، فَمَا فَسَّرَهَا أَحَدٌ مِنْهُم بِذَلِكَ؛ بَلْ كَانُوا مُجْمِعِينَ عَلَى إِنْكارِهِ.

وَأَيضًا أَنَّهُ مُنَافٍ لِعُلُوِّ اللهِ تَعَالَى الثَّابِتِ بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالعَقْلِ وَالفِطْرةِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ.

فَإِذَا تَبيَّنَ بُطْلَانُ هَذَا القَولِ تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الحَقُّ هُوَ القَولُ الثَّانِي؛ وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى مَعَ خَلْقِهِ مَعِيَّةً تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُحِيطًا بِهِم -عِلْمًا وَقُدْرَةً وَسَمْعًا وَبَصَرًا وَتَدْبِيرًا وَسُلْطَانًا وَغَيرَ ذَلِكَ- مِمَّا تَقْتَضِيهِ رُبُوبِيَّتُهُ مَعَ عُلُوِّهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوقَ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الآيَتِينِ بِلَا رَيبٍ.

قَالَ شَيخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيمِيَّةَ فِي (الفَتْوَى الحَمَوِيَّةِ): "ثُمَّ هَذِهِ المَعِيَّةُ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا بِحَسَبِ المَوَارِدِ، فَلَمَّا قَالَ: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ إلَى قَولِهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ﴾ دَلَّ ظَاهِرُ الخِطَابِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ المَعِيَّةِ وَمُقْتَضَاهَا أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيكُمْ؛ شَهِيدٌ عَلَيكُمْ وَمُهَيمِنٌ عَالِمٌ بِكُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَولِ السَّلَفِ: إنَّهُ مَعَهُمْ بِعِلْمِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الخِطَابِ وَحَقِيقَتُهُ، وَكَذَلِكَ فِي قَولِهِ: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ إلَى قَولِهِ: ﴿هُوَ مَعَهُمْ أَينَ مَا كَانُوا﴾ الآيَة، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ لِصَاحِبِهِ فِي الغَارِ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ كَانَ هَذَا أَيضًا حَقًّا عَلَى ظَاهِرِهِ، وَدَلَّتِ الحَالُ عَلَى أَنَّ


=
التَّمْهِيدُ (٧/ ١٣٨).
وَقَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ : "وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ البَرِّ وَغَيرُهُ إِجْمَاعَ العُلَمَاءِ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي تَأْوِيلِ قَولِهِ: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ﴾ أَنَّ المُرَادَ: عِلْمُهُ، وَكُلُّ هَذَا قَصَدُوا بِهِ رَدَّ قَولِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ". فَتْحُ البَارِي لِابْنِ رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ (٢/ ٣٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>