للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمَ هَذِهِ المَعِيَّةِ هُنَا مَعِيَّةُ الِاطِّلَاعِ وَالنَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ" (١).

وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيسَ مُقْتَضَاهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتُ الرَّبِّ ﷿ مُخْتَلِطَةً بِالخَلْقِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الحَدِيد: ٤]. فَيَكُونُ ظَاهِرُ الآيَةِ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ المَعِيَّةِ عِلْمُهُ بِعِبَادِهِ، وَبَصَرُهُ بِأَعْمَالِهِم -مَعَ عُلُوِّهِ عَلَيهِم، وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ-؛ لَا أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُخْتَلِطٌ بِهِم! وَلَا أَنَّهُ مَعَهُم فِي الأَرْضِ! وَإِلَّا لَكَانَ آخِرُ الآيَةِ مُنَاقِضًا لِأَوَّلِهَا الدَّالِّ عَلَى عُلُوِّهِ وَاسْتِوَائِهِ عَلَى عَرْشِهِ.

فَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ مُقْتَضَى كَونِهِ تَعَالَى مَعَ عِبَادِهِ: أَنَّهُ يَعْلَمُ أَحْوَالَهُم، وَيَسْمَعُ أَقْوَالَهُم، وَيَرَى أَفْعَالَهُم، وَيُدَبِّرُ شُؤُونَهُم؛ فَيُحِيِي وُيُمِيتُ، وَيُغْنِي وَيُفْقِرُ، وَيُؤْتِي المُلْكَ مَنْ يَشَاءُ، وَيَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ؛ إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ رُبُوبيَّتُهُ وَكَمَالُ سُلْطَانِهِ؛ لَا يَحْجُبُهُ عَنْ خَلْقِهِ شَيءٌ، ومِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ مَعَ خَلْقِهِ حَقِيقَةً وَلَو كَانَ فَوقَهُم عَلَى عَرْشِهِ حَقِيقَةً.

وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ: لَو فُرِضَ امْتِنَاعُ اجْتِمَاعِ المَعِيَّةِ وَالعُلوِّ فِي حَقِّ المَخْلُوقِ؛ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا فِي حَقِّ الخَالِقِ الَّذِي جَمَعَ لِنَفْسِهِ بَينَهُمَا، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُمَاثِلُهُ شَيءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الذَّارِيَات: ١١] (٢).


(١) الفَتْوَى الحَمَوِيَّةُ (ص ٥٢١).
(٢) وَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ المُعَطِّلَةِ عَلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ بِالآيَةِ الكَرِيْمَةِ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحَدِيْد: ٤] وَذَلِكَ لِأَنَّ الآيَةَ قَدْ دَلَّتْ عَلَى المَعِيَّةِ لِلأَشْخَاصِ فَقَط؛ وَلَيْسَ لِعُمُوْمِ الأَمْكِنَةِ، فَتَنَبَّهْ. وَبِاللهِ التَّوْفِيْقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>