لا يعرفون شيئاً، فلم يزالوا على ذلك حيناً من الدهر، حتى أيد من خلف من بعدهم، ونشأ من أعقابهم، وذرأ من أصلابهم بالتذكر لتلك الأمور، والفطنة لها، والمعرفة بها، والعلم للماضي من أحوال الدنيا في شأنها، وسياسة أولها، والمؤتنف من تدبير أوسطها وعاقبة آخرها، وحال سكانها، ومواضع أفلاك سمائها وطرقها ودرجها ودقائقها ومنازلها، العلوي منها والسفلى، بمجاريها وجميع أنحائها، وذلك على عهد جم بن أو نجهان الملك، فعرفت العلماء ذلك، ووضعته في الكتب، وأوضحت ما وضعت منه، ووصفت، مع وضعها ذلك، الدنيا وجلالتها، ومبتدأ أسبابها، وتأسيسها، ونجومها، وحال العقاقير والأدوية والرقى، وغير ذلك، مما هو آلة للناس يصرفونها فيما هو موافق لأهوائهم من الخير والشر، فكانوا كذلك برهة وعصراً، حتى ملك الضحاك بن قي -من غير كلام أبي سهل-قال: ده أك معناه عشر آفات، فجعلته العرب الضحاك، رجعنا إلى كلام أبي سهل-بن قي في حصة المشتري ونوبته وولايته وسلطانه، من تدبير السنين بأرض السواد بني مدينة اشتق اسمها من اسم المشتري فجمع فيها العلم والعلماء، وبنى بها اثني عشر قصراً على عدد بروج السماء، وسماها بأسمائها، وخزن كتب أهل العلم وأسكنها العلماء-من غير كلام أبي سهل: بنى سبعة بيوت على عدد الكواكب السبعة، وجعل كل بيت منها إلى رجل، فجعل بيت عطارد إلى هرمس، وبيت المشتري إلى تينكلوس، وبيت المريخ إلى طينقروس، رجعنا إلى كلام أبي سهل-فانقاد لهم الناس، وانقادوا لقولهم، ودبروا أمورهم لمعرفتهم بفضلهم عليهم في أنواع العلم، وحيل المنافع، إلى أن بعث نبي في ذلك الزمان، فانهم أنكروا عند ظهوره، وما بلغهم من أمره، علمهم، واختلط عليهم كثير من رأيهم، فتشتت أمرهم، واختلفت أهواؤهم وجماعتهم، فأم كل عالم منهم بلدة يسكنها، ويكون فيها ويترأس على أهلها. وكان فيها عالم يقال له هرمس، وكان من أكملهم عقلاً وأصوبهم علماً