وألطفهم نظراً، فسقط إلى أرض مصر فملك أهلها وعمر أرضها وأصلح أحوال سكانها وأظهر علمه فيها. وبقي جل ذلك وأكثره ببابل، إلى أن خرج الإسكندر ملك اليونانيين غازياً أرض فارس من مدينة للروم يقال لها مقدونية، عند الذي كان من إنكاره الفدية التي لم تزل جارية على أهل بابل ومملكة فارس، وقتله دارا ابن دار الملك واستيلائه على ملكه، وهدمه المدائن وإخرابه المجادل المبنية بالشياطين والجبابرة، وإهلاكه ما كان في صنوف البناء من أنواع العلم الذي كان منقوشاً مكتوباً في صخور ذلك وخشبه، بهدم ذلك وإحراقه وتفريق مؤتلفه، ونسخ ما كان مجموعاً من ذلك في الدواوين والخزائن بمدينة اصطخر، وقلبه إلى اللسان الرومي والقبطي ثم أحرق، بعد فراغه من نسخ حاجته منها، ما كان مكتوباً بالفارسية، وكتاب يقال له الكشتج، وأخذ ما كان يحتاج إليه من علم النجوم والطب والطبائع فبعث بتلك الكتب وسائر ما أصاب من العلوم والأموال والخزائن والعلماء إلى بلاد مصر، وقد كانت تبقت أشياء بناحية الهند والصين، كانت ملوك فارس نسختها على عهد نبيهم زرادشت وجاماسب العالم، وأحرزتها هناك، لما كان نبيهم زرادشت وجاماسب حذراهم من فعلة الإسكندر وغلبته على بلادهم وإهلاكه ما قدر عليه من كتبهم وعلمهم وتحويله إياه عنهم إلى بلاده فدرس عند ذلك العلم بالعراق، وتمزق واختلفت العلماء وقلت، وصار الناس أصحاب عصبية وفرقة، وصار لكل طائفة منهم ملك، فسمّوا ملوك الطوائف، واجتمع ملوك الروم لملك واحد بعد الذي كان فيهم من التفرق والاختلاط والتحارب قبل ملك الإسكندر. فصاروا بذلك يداً واحدة، ولم يزل ملك بابل منتشراً ضعيفاً فاسداً، ولم يزل أهله مقهورين مغلوبين لا يمنعون حريماً، ولا يدفعون ضيماً، إلى أن ملك أردشير بن بابك من نسل ساسان، فألف مختلفهم، وجمع متفرقهم، وقهر عدوهم، واستولى على بلادهم، واجتمع له أمرهم، وأذهب عصبيتهم واستقام له ملكهم، فبعث إلى بلاد الهند والصين