(وقول السائل) وفقه الله-: هل يلزم المبتدئين المتعلمين الترقي إلى معرفة الدليل الناص على كل مسألة؟
(جوابه): يعلم مما تقدم، وهو أن عليه أن يتقي الله بحسب استطاعته، فيلزمه من ذلك ما يمكنه، ويسقط عنه ما يعجز عنه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. فلا يهجم على التقليد ويخلد إلى أرضه مع قدرته على معرفة الدليل، لا سيما إذا كان قاضيا أو مفتيا وله ملكة قوية يقوى بها على الاستدلال ومعرفة الراجح؛ فإن الرجل النبيه -الذي له فهم وفيه ذكاء- إذا سمع اختلاف العلماء وأدلتهم في الكتب التي يذكر فيها أقوال العلماء وأدلتهم -كـ"المغني" و"الشرح"١ و"التمهيد" لابن عبد البر ونحو هذه الكتب- يحصل عنده في الغالب ما يعرف به رجحان أحد القولين.
فإذا كان طالب العلم متمذهبا بأحد المذاهب الأربعة، ثم رأى دليلا مخالفا لمذهب إمامه، وذلك الدليل قد أخذ به بعض أئمة المذاهب، ولم يعلم له ناسخا ولا معارضا، فخالف مذهبه، واتبع الإمام الذي قد أخذ بالدليل، كان مصيبا في ذلك؛ بل هذا الواجب عليه، ولم يخرج بذلك عن التقليد فهو مقلد لذلك الإمام، فيجعل إماما بإزاء إمام، ويبقى له الدليل بلا معارض.
قال في "الاختيارات": من كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل، لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم وأتقى، فقد أحسن.
وقال أبو العباس في موضع آخر: بل يجب عليه، وإنَّ أحمد نص عليه،
١ أي "الشرح الكبير" على المقنع الذي يطبع الآن مع المغني في مطبعة المنار، وكلاهما يذكر الأحكام بأدلتها.